هل تدفع الأزمة الأوكرانية العالم في طريق كرة اللهب المشتعلة، تلك التي يخشى معها الجميع الدخول في مواجهة أممية لا تُبقي ولا تذر؟
على عتبات العام الجديد يكاد المرء يشعر بهلع بالغ من تطورات المشهد على صعيد الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
ما التغير النوعي الذي يجري على الأراضي الأوكرانية؟ وكيف له أن يُدخل العالم في دائرة من التصعيد غير مأمونة العواقب؟
محور القصة يدور حول نظام صواريخ "هيمارس" أمريكي الصنع، والذي تم استهداف القوات الروسية من خلاله.. إذ تعد منظومة "هيمارس" وحدة سلاح متنقلة يمكنها إطلاق زخّات من الصواريخ دقيقة التوجيه دفعة واحدة من على راجمة مثبتة غالبا على شاحنة تسير على عجلات.
فهل باتت معركة الروس في الأيام الأخيرة مع السلاح الأمريكي، ومع حلف الناتو، بصورة مستترة، غير مباشرة؟
يبدو أن الأمر على هذا النحو بالفعل.
ففي الثالث والعشرين من شهر يونيو/حزيران الماضي، أرسلت الولايات المتحدة أول دفعة من صواريخ "هيمارس" إلى أوكرانيا لاستخدامها ضد القوات الروسية، لا سيما في إقليم الدونباس.
لا يحتاج الأمر إلى مزيد من الشرح والاستفاضة حول إمكانيات هذه الصواريخ، والتي تعد من الأسلحة الأمريكية المتقدمة، والتي يبدو أنها قادرة على إيقاع خسائر مزعجة.
هل جاءت ضربات هذه الصواريخ لتعمِّق من أزمة القيصر بوتين؟
يبدو أن ذلك كذلك.. على أن الأزمة الكبرى لـ"بوتين" ليست على الصعيد الخارجي، بقدر ما هي على الصعيد الداخلي، فبعد قرابة عام من بدء العمليات العسكرية، لا تبدو القيادة الروسية قادرة على حسم المعركة مع كييف عسكريا.
وتجيء ضربات "هيمارس" لتفتح الباب واسعا أمام القوميين الروس في الداخل لرفع عقيرتهم، حيث طالبوا بداية الأمر بمعاقبة القادة المسؤولين عن إقامة جنود قرب مستودع ذخيرة.. فليس سرا القول إن الضربة الأخيرة التي تلقتها القوات الروسية دفعت كثيرين للمطالبة بإعادة تنظيم المشهد العسكري، فقد بدا واضحا أنه من الخطأ القاتل وضع الجنود في ثكنة واحدة مع الذخيرة القابلة للانفجار، حتى بالقصف المدفعي التقليدي، دون الحاجة إلى الصواريخ الأمريكية المتقدمة.
تكاد ضربة مدينة ماكيفكا أن تضحي الأكثر قلقا للروس، منذ أبريل/نيسان الماضي، وذلك حين أغرقت أوكرانيا السفينة الحربية الروسية الشهيرة "موسكفا".
ما يحدث في الداخل الروسي اليوم يمثل ضغوطات هائلة على الرئيس بوتين، سياسيا وعسكريا.
على سبيل المثال، طالب المشرّع والرئيس السابق لمجلس الاتحاد، سيرغي ميرونوف، بمساءلة جنائية للعسكريين الذين سمحوا بتكدس جنود في مبنى بلا حماية.
كان من الطبيعي أن تقوم القوات الروسية بضربات عالية الدقة، الأمر الذي كبّد الأوكرانيين أعدادا مضاعفة للخسائر الروسية في الأفراد.. أما المثير والخطير، فيتمثل في تدمير الروس أربع راجمات صواريخ "هيمارس" الأمريكية على الأراضي الأوكرانية.. ماذا يعني ذلك؟
يكاد المشهد الحاضر يُعيد مواجهات أزمنة الحرب الباردة، بين السلاح الشرقي والغربي، بين أسلحة الناتو ونظيرتها في حلف وارسو.. وتبدو اليوم درجة الصراع في أوجها، ويمكن تصور المشهد العسكري ميدانيا حال سارعت واشنطن بتقديم صواريخ باتريوت لأوكرانيا، وما يمكن أن يكون عليه رد روسيا.
الرئيس "بوتين" ربما سيجد نفسه عما قريب في حاجة ماسة وسريعة إلى ردّات فعل داخلية قوية، بعضها يتعلق بمراجعات للأوضاع العسكرية، وإجراء تقييم موقف، لتصويب مسار الرقابة الداخلية.
غير أن الأهم، والمطلوب من "بوتين" على وجه العجَل، هو مواجهة التكتيكات الأوكرانية الجديدة، وفي مقدمتها العمل على صد ورد الأسلحة الغربية المتقدمة.
هنا يبدو فتيل الاشتعال قائما وقادما دفعة واحدة، إذ قد يجد "بوتين" نفسه وعند لحظة من فقدان الأمل في كسب جولة أوكرانيا، مدفوعا إلى ما وراء الأسلحة التقليدية.
"الدب لا يقيّد".. هذا ما عمل ثعلب السياسة الأمريكية، هنري كيسنجر، على شرحه وإيضاحه لأطراف الأزمة كافة، وهو الرجل الذي له دالة كبيرة على التاريخ وأحاجيه، وعلى الجغرافيا وامتداداتها.
المشهد على الأرض ينبئ بأن 2023 يمكن أن يكون عام القارعة، ما لم يراجع العم سام أوراقه، ويسعى في طريق بلورة حلول سلمية وسطية، تحفظ ماء الوجه للجميع.
مزيد من القتلى الروس قد يعني كرة لهب أممية متدحرجة ستصيب المسكونة وساكنيها بما هو أشد هَولا من الصراع الروسي الأوكراني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة