تمتلئ وسائل الإعلام عموماً ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، بموجة من الانتقاد لعهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد والعمل على تعداد الأخطاء التي ارتكبها خلال الفترة الماضية.
وفي كثير من الأحيان تحولت هذه الانتقادات إلى موجة غضب واستياء من أوضاع الشعب السوري وما كان يعانيه من أزمات اقتصادية وسياسية، في حين أن القلق الحقيقي ينبغي أن يتركز على الحفاظ على سوريا الوطن وعلى تطلعات الشعب السوري الشقيق.
فمن حيث الواقع، هذا ليس وقت تعداد الجرائم واجترار الماضي أو محاكمة نظام لم يعد موجوداً، برغم أهميته. فأيا كانت أسباب وجذور الأوضاع الصعبة التي يمر بها السوريون حالياً، أعتقد أن المهم في هذه اللحظة من التحول السوري التاريخي: هو الخروج من تلك الأوضاع. ومساعدة السوريين على اجتياز تلك المرحلة الصعبة والموقف المعقد الذي تمر به بلادهم على كافة المستويات كي لا يتفاجأ السوريون والعرب من أحداث أكثر إيلاماً.
ففي حين تركز بعض القوى العالمية وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وغيرهما على البعد السياسي والأمني، وتحديداً التوجهات التي ستتبناها فصائل المعارضة السورية التي استولت على الحكم بعد هروب بشار الأسد. في ظل وجود مخاوف، من سيطرة مجموعات مسلحة تنطلق من أفكار وتصورات عقائدية وترفع شعارات إسلامية، بغض النظر عن صدقية تلك الشعارات أو مدى مطابقة تلك الأفكار لحقيقة تعاليم الدين، فإنها في المقابل، لم تعر اهتماماً كافياً إلى القضايا المهمة بالنسبة للسوريين أنفسهم، وعلى رأسها رفع العقوبات الاقتصادية أو التفكير في الحفاظ على سيادة سوريا من الاختراقات السورية والتركية.
بل إن بعض الدول الأوروبية راحت تتخذ مواقف غير مبررة. منها مثلاً، وقف منح تأشيرات وموافقات لطالبي اللجوء السوريين. وذهبت دول أوروبية أخرى إلى أبعد من ذلك، حيث قررت إبعاد هؤلاء وإعادتهم إلى سوريا. ويقدر عددهم في بعض تلك الدول بعشرات الآلاف. وإن كان منع التأشيرات أو تعليق طلبات اللجوء قابل لتفسير بتجنب عمليات تسلل أو دخول غير المرغوب فيهم إلى تلك البلدان، إلا أن إعادة الموجودين منهم بالفعل إلى سوريا يبدو غير مفهوم، سوى بالرغبة في التخلص من عبء اللاجئين. وهو ما يمكن تحقيقه لاحقاً وبصورة منظمة وأكثر إنسانية.
إن موقف دولة الإمارات منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام السابق كان واضحاً هو الحرص على وحدة سوريا الوطن وسلامة سيادتها وضمان استقرارها بما يحقق تطلعات شعبها. وفي نظري هذا هو موقف كل مواطن عربي يؤمن أن استقرار سوريا أو غيرها من الدول العربية سيسهم بالضرورة في استقرار المنطقة.
وعليه فإن على الدول العربية واجب ومسؤولية تجاه الشعب السوري في هذه اللحظة. ليس فقط لتخفيف معاناة السوريين في هذه المرحلة الدقيقة، لكن أيضاً لأن تحسين أوضاعهم وإخراج سوريا من أزمتها واستعادة الدولة هناك، لأن هذا يصب مباشرة في صميم الأمن القومي العربي وفي أمان واستقرار المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل.
وإن كان الغرب يبحث عن إشارات طمأنة لتوجهات السلطة الجديدة في سوريا، وله الحق في ذلك، فإن الدول العربية سواء كل على حدة أو في إطار الجامعة العربية، هي التي يجب أن تأخذ زمام المبادرة لدمج "سوريا الجديدة" عربياً، وذلك لضمان عودة سوريا إلى محيطها العربي، خصوصاً في نطاق جامعة الدول العربية ومؤسساتها ومنظماتها النوعية. وكذلك، لضمان حضور البعد العربي وفاعليته في التطورات الداخلية في سوريا، خاصة ما يتعلق بالعملية السياسية.
وهذا هو ما يجنب العرب أي توجهات إقصائية أو ممارسات غير مطلوبة لأمان الشعب السوري واستقرار الدولة السورية وضمان وحدتها وسلامة أراضيها. فاحتضان سوريا مسؤولية عربية، والدور العربي هناك ضروري من أجل أمان، واستقرار، ومستقبل سوريا، والمنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة