مسألة عودة إيران وأمريكا إلى الاتفاق النووي تهيمن على أغلب وسائل الإعلام الغربية والعربية، ناهيك بالأوساط السياسية، التي يشغل بالها تفاصيل الصفقة المزمع توقيعها ربما بعد أيام أو أسابيع.
ودول الشرق الأوسط، لا سيما الدول العربية الخليجية، معنية بالدرجة الأولى بماهية التعاطي الغربي مع إيران بعد هذا الاتفاق.
ولعل الأسئلة، التي طرحها خلف الحبتور، رجل الأعمال الإماراتي المعروف، عبر حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، هي أسئلة مشروعة، تفاعل معها المئات من صناع الرأي العام العربي، وعموم المتابعين للشأن السياسي، لا سيما الإيراني منه وجديده وتطوراته.
وفضلاً عن كون "الحبتور" شخصية عربية اقتصادية مشهورة، فإنه يعكس تنوع المجتمع الإماراتي بطريقة فريدة، تحاكي معطيات الواقع، وتقترب من الناس، وتعالج الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والسياسية، ناهيك بالشؤون الاقتصادية المستجدة والمتغيرة بين حين وآخر.
بالعودة إلى أسئلة "الحبتور" المهمة، فإن فحواها ذهب نحو أسرار الغزَل الغربي الإيراني -كما وصفه- كذلك سرّ التقارب الأوروبي الإيراني، إضافة إلى العلاقات الجيدة نسبيًّا بين موسكو وطهران، والسعي الدائم من قبل الأمريكيين للتفاوض بأريحية مع إيران، وهي أسئلة تدور في أذهان ملايين العرب من المهتمين، وتحتاج إلى أجوبة مقنعة.
وهنا نغوص في تفاصيل التفاصيل، التي تُفضي بالمحصلة لجواب شافٍ وكافٍ ووافٍ، ففِقدان الثقة هو الحالة السائدة في العلاقات الغربية الإيرانية على مدى سنوات، وذلك كله له جذور تاريخية وتناقضات في الهوية.
وما تقوم به الدول العربية الخليجية، خصوصًا دولة الإمارات، هو إعادة توازن في القوى وتغليب نظرية المصالح والتعاون، في سبيل تحقيق الاستراتيجية الكبرى في التحول نحو المركز العالمي للتجارة، وحتى نُثبت ما نقول، علينا مراجعة العملية التدريجية للتخلي عن الاقتصادات الريعية، وكيف أن تجارة الإمارات غير النفطية -مثلا- بلغت أكثر من تريليون درهم إماراتي خلال النصف الأول من 2022، وهذا يتطلب تصفير المشكلات وتغليب القدرات الاقتصادية من أجل خدمة الشعوب وتمكينها من تحقيق أهدافها.
حتى الولايات المتحدة الأمريكية تبحث دائمًا عن تحالفات تمنحها مجالا أكبر قدرًا من المناورة، وتستخدم واشنطن هذه الورقة للضغط على حلفائها قبل أعدائها، وأمريكا اليوم تزعم أنها تريد التفرغ لروسيا والصين، لذلك لا تريد خلق جبهة جديدة في منطقة أخرى من العالم، والديمقراطيون، الذين يحكمون الآن بطبيعة الحال، لا يُخفون توجههم نحو التأقلم مع إيران.
أما الأوروبيون فيريدون إنهاء الملف النووي مع إيران بسرعة، حتى يخففوا من أزمة الطاقة التي حلّت عليهم بدخول منتِج جديد يسد النقص الحاصل في الأسواق نتيجة العقوبات على الغاز الروسي، حسبما يتوهمون.
وإيران، التي يتباهى قادتها بأنهم فرضوا وجودهم في العراق ولبنان واليمن، وأصبحوا "يستعملون" هذه الدول لـ"التفاهم مع الغرب"، جعلت من المعادلات الغربية في التعاون معها أمرًا حتميًّا، وإن كان سلبيًّا في مراحله، لكن دول الخليج العربي، خاصة السعودية والإمارات، تغرد خارج هذا السرب، حين تطالب الجار الإيراني بأن يكون عامل استقرار ويبتعد عن التدخل في شؤون الآخرين.
ومن الضروري جدًّا معرفة كُنْه مكافحة الإرهاب الحوثي في اليمن، عبر معاينة جهود السعودية والإمارات حين دعمتا، وتدعمان الاستقرار والسلام الدائم في بلد عربي عانى ويعاني من انقلاب الحوثيين الإرهابيين في صنعاء..
زِدْ على ذلك، المساعدات الإنسانية السعودية والإماراتية غير المحدودة، التي تسهم في تخفيف المعاناة عن الشعب اليمني المنكوب.
الإماراتيون، كالسعوديين، ومن ورائهم العرب، مصممون على تعزيز نموذجهم الاقتصادي الرائد عبر سياسات تتسم بالتنافسية والشفافية، وتنويع الموارد وجذب الاستثمارات ومواكبة التطورات التكنولوجية، والمسار الاقتصادي الاجتماعي في صُلب توجهات صناع القرار العربي، كما أن التنمية هي الخيار الاستراتيجي.
وعليه فإن المزيد من المؤشرات الإيجابية، التي تحصل في بعض الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، تثبت دون شك صحة العمل من أجل الأجيال القادمة، لا من أجل صراعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة