تلعب الأرقام أحيانا لعبتها تحيط بنا وتحركنا، تتلاعب بأعصابنا وتحرقنا، ولا سيما حين تكون أرقاما ذات علاقة بتواريخ معينة في العالم العربي
تلعب الأرقام أحياناً لعبتها، تحيط بنا وتحركنا، تتلاعب بأعصابنا وتحرقنا، ولا سيما حين تكون أرقاماً ذات علاقة بتواريخ معينة في العالم العربي، والتواريخ فعل قاهر، يضغط دون أن يكون ثمة مهرب منه، وحين تكون التواريخ مواعيد لأحداث مقبلة ومتوقعة، تسمّى استحقاقات، والاستحقاقات يحضَّر لها من قبل، سواء كانت سياسية أو غير سياسية.
وهناك على أي حال، استحقاقات من كل الأنواع، بعضها نترقب حلوله بلهفة، فيما يخيفنا دنوّ البعض الآخر.. وقد تكون هناك استحقاقات من نوع ثالث، تبقينا إزاءها غير مبالين، فلا يكون ترقب من قبلها، ولا رجفة خوف ولا خفقان فرح.
أما إذا كانت التواريخ تتعلق بمواعيد أحداث مضت وانقضت، وتأتي الأرقام لتذكرنا بها، فالأمر يختلف تماماً، هنا، لا يكون للرعب مكان، ولا للترقب من سبيل، وطبعاً، حتى لو كانت التواريخ باعثة على الفرح، سيكون هذا محدوداً، لأنها في حدّ ذاتها، لا تحمل ما من شأنه أن يفاجئ، ومع هذا، ثمة تواريخ تعلن عن نفسها، ثم تصل وهي محملة بقدر كبير من المرارة.
وبالتحديد، لأنها تأتي في مواعيدها المضروبة لتذكّر المرء بما كان يفضّل أن ينساه... فماذا حين يجمع تاريخ واحد، أي رقم واحد، عدداً من المواعيد لا تقل المرارة التي يحملها الواحد منها عما يحمله الثاني، ولنتأمل هنا عام 2017 الذي أطل علينا قبل أيام قليلة، لكي يمكث بيننا طوال 356 يوماً.
من ناحية مبدئية، هو عام يمكنه أن يبدو عادياً، وسيكون بالضرورة كالأعوام السابقة عليه، مليئاً بالأحداث، وربما بالآمال أيضاً، وسيفرح فيه كثر ويحزن كثر، وسيزدهر البعض ويتراجع البعض الآخر، وربما يزداد دمار أمم، ويطغى عمران أخرى.
وهذا أمر حتمي، يسمى عادة حركة التاريخ، التي لن يصار إلى تفحص حصيلتها، قبل أن يحل اليوم الأول من العام المقبل، ومن البديهي أن كل ما سوف يعيشه هذا العام ماثل في علم الغيب، لا يعرف عنه وعن مجراه منذ الآن أي كائن بشري، وليعذرنا كل أولئك المنجمين والمدّعين والكاذبين الذين ملؤوا خلال الأيام المنصرمة، شاشات التلفزة وواجهات الكتب، محاولين إقناع السذّج من بني جلدتهم، بأن كذا وكيت سوف يحصل!
ولكن من ناحية ثانية، هناك ما هو مؤكد في هذا العام: مواعيده. وبالتحديد تلك المتعلقة بالذكريات، الذكريات التي اعتاد الناس أن يستذكروها، باعتبارها حدثت في الماضي، القريب أو البعيد، في تواريخ تمت بصلة «رقمية» على الأقل إلى العام المعني.
وطبعاً نعرف أن أموراً كثيرة حدثت في خاليات الأزمنة في أعوام تتفرع من التركيبة العددية لرقم عامنا الجديد، واختصاراً للأمور، طالما أن هذا المجال لا يتيح لنا أن نسهب في وضع لائحة مطولة بالأحداث الكبيرة التي ترغمنا لعبة الأرقام على استذكارها، ربما يصح أن نتوقف عند خمسة مواعيد، جعلتها صدفة التاريخ مترابطة.
ففي عام 1967، أي قبل نصف قرن بالتمام والكمال من عامنا هذا، كانت هزيمة حزيران، التي حاول البعض تسميتها «نكسة» تخفيفاً، لكنها كانت إحدى أكبر الكوارث التي حاقت بالإنسان العربي.
وفي عام 2007، خاض الجيش اللبناني أول معركة حقيقية يخوضها جيش نظامي عربي ضد مجموعات إرهابية منظمة (نهر البارد في الشمال اللبناني)، ما فتح الأبواب واسعة أمام نوع من حرب عالمية ثالثة. كان ذلك قبل عشر سنوات.
في عام 1917، وفي غفلة عن عرب كانوا تائهين أمام هزيمة الدولة العثمانية، التي كانوا يعتقدونها ملاذهم وأمهم، أصدر وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور، ذلك الوعد الشهير الذي سيكون في أساس ضياع فلسطين، وقبل ذلك بعشر سنوات تماماً، كان المشروع الصهيوني لولادة دولة إسرائيل وضياع فلسطين، تبلور في مؤتمر بازل الذي أمضى ثيودور هرتزل الصحافي النمساوي ومؤسس المشروع الصهيوني، أيامه ولياليه ساعياً وراءه!
وفي عام 1947، قبل عام من «النكبة»، التي أثبتت للعرب، ليس فقط أن فلسطين ضاعت، بل أنهم غير قادرين حتى على الحيلولة دون ضياع أي فلسطين أخرى، في عام 1947، أصدرت منظمة الأمم المتحدة، قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وهو القرار الذي رفضه العرب، فكان ما كان!
كلها أرقام ترتبط مباشرة بالرقم 2017 في العالم العربي... ويمكن لمن يبحث أن يعثر على مئات المواعيد الأخرى ومئات الأرقام المشابهة، وتحديداً من تلك التي اعتادت الشعوب الاحتفال بها أو رجمها، أما نحن من جانبنا، فإننا في الحقيقة وللأمانة، حاولنا أن نعثر على بعض تواريخ ترتبط بالرقم نفسه، وتحمل بذور فرح ما، أو ذكرى موعد يطمئننا، على سبيل الموازنة، لكننا بكل صراحة، لم نوفّق. فهلا ساعدنا أحد من كرام قرائنا؟.
* نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة