علاء فرغلي لـ"العين": الروائي الجيد "كاذب كبير"
كان صدور "خيرالله الجبل" التي تتحدث عن مصر أخرى مهمشة، إعلانا عن مولد روائي موهوب، سارد يعرف عالمه جيدا، ويمتلك أدواته..
علاء فرغلي، كاتب وروائي مصري شاب، صدرت روايته الأولى "خيرالله الجبل" قبل عامين، وعنها فاز بجائزة ساويرس للإبداع الروائي فرع الكتاب الشباب، والتي وزعت جوائزها في حفل كبير بدار الأوبرا المصرية ديسمبر الماضي.
كان صدور "خيرالله الجبل" التي تتحدث عن مصر أخرى مهمشة، تُذكِّر بعالم الراحل خيري شلبي، وبسرده المتدفق، إعلانا عن مولد روائي موهوب، سارد يعرف عالمه جيدا، ويمتلك أدواته، وينظر إلى شخصياته بروح متعاطفة ومحبة.
اختار فرغلي أن يقدم عالم عزبة خيرالله منذ بداية زحف المهمشين للإقامة فيها، مرورا بسنوات التهديد بالطرد والإزالة، وصولا إلى شق الطريق الدائري للعزبة الذي يمر فوقها مثل طائرة عابرة.
أجمل ما في هذه الرواية، بحسب نقاد، هو "ذلك الاحتفاء بالإنسان، وعدم الانزلاق إلى المباشرة أو البكائية، والبراعة في رسم ملامح الشخصيات، والاحتفاء بالتفاصيل، وروح السخرية التي تتسلل ما بين السطور، ورصد لحظات التحول من مجتمع هامشي إلى مجتمع مستقل تقريبا، له قادته الذين ورثوا دور الدولة، بل إن الرواية منجم حقيقي يجب أن يثير اهتمام أساتذة العمران وعلماء الاجتماع والفلكلور المصري".
فرغلي على وشك الانتهاء من نشر روايته الثانية التي تمثل كتابتها تحديا كبيرا، خصوصا أنها تأتي بعد نجاح واسع لـ خيرالله الجبل".. عن المسافة بين الروايتين، وتجربة الكتابة والنشر وغيرها، كان هذا الحديث الذي التقت فيه "العين" الكاتب الشاب، وكان هذا الحوار:
* يبدو سؤالا معتادا، لكنه يمثل إضاءة مطلوبة في أحيان كثيرة.. البداية التي حددت المسار ودفعت إلى طريق الكتابة؟
- البداية مبكرا جدا، ربما في العاشرة تقريبا، بقصة قرأها لي أستاذ الحساب وأصلح لي بعضا من مفرداتها، وما أتذكره أنها كانت سببا في إفلاتي من عقابه بسبب إهمالي لمادته. لكن تاليا استلبني شعر الفصحى، وتحديدا شعر التفعيلة، كتبته في البداية لمغازلة "بنات ثانوية حلوان"، ثم صار مشروعي الإبداعي، وبالفعل نلتُ العديد من الجوائز على مستوى الجامعات خلال فترة الدراسة، ومع ذلك لم أعر مسألة النشر الاهتمام المطلوب، ربما لظني أن هناك مشروعا آخر بانتظاري سأكون أكثر إخلاصا له هو "الرواية"، ولسببٍ ما أيضا قاومت فكرة كتابتها، لفترة طويلة حتى صارت المقاومة عبثا.
* من الشعر إلى الرواية.. كيف جاء الانتقال والاستعداد لهذا التحول؟
- في رأيي أن كتابة الرواية -وهي سيدة الإبداع السردي- لا يمكن اقتحامها بسهولة كغيرها من ألوان التعبير الأدبي، مثل الشعر والقصة القصيرة والومضة والنوفيلا مثلا، الرواية هي تجربة كبرى مكتملة وواعية تُصَبُّ في قالب مصقول، لا بد وأن يكون مختلفا ومتفردا. والروائي الجيد هو كاذب كبير لا يمكن اكتشاف كذبه؛ لأنه من خلال تجربته الواعية والمكتملة يجيد عملية الخلق، خلق الحكاية غير المشوهة من خلال عناصر استطاع استيعابها ثم أعاد إفرازها، وبالتالي فإن أية محاولة لكتابة رواية لابد وأن تكون محفوفة بالمخاطر، وأهمها خطر اكتشاف مَوَاطن الكذب..
* تبدو علاقتك بعزبة "خيرالله" أكبر من كونها فضاء مكانيا وخلفية تدور فيها أحداث روايتك الأولى؟
- «خيرالله الجبل»، باختصار هي قصة مكان، مكان عجيب إلى حد بعيد، فهو ليس مجرد حيّ عشوائي في قلب القاهرة اكتظّ بسكانه حتى صار يلفظهم، لكنه بيئة كبيرة، وطن، دولة ذات تاريخ وجغرافيا وحكام ومحكومين وقوانين وسبل معيشة، أتاحت لي الظروف أن أكون قريبا منه نوعا ما لأشهد ميلاده ونموه فأحمل همَّ كتابته وإعادة تقديمه بصورة مختلفة عن تلك الصورة التي تُصدِّرها عنه صفحات الحوادث في الجرائد اليومية، من خلال نماذج حقيقية من لحم ودم، وليست مسوخا مشوهة. اختزنت كثيرًا من قصص هذا المكان حتى صارت هذه القصص تؤرقني، كأنني أخفي أخبارا مهمة عن أشخاص ينتظرون الإعلان عن وجودهم، صالحين وبطرسة والشيخ يونس وعظيم الضبع وجاهدة السود.. وغيرهم كثيرون.
* ذكرت أن "خيرالله الجبل" لم تكتب في صورتها الأولى كنص روائي بل كسيناريو.. ما هي كواليس إعادة صياغة النص لينتهي كرواية؟
- كتبت أول صفحات رواية خيرالله الجبل قبل نحو عشر سنوات، في ذلك الوقت كان ثمة انتعاش كبير للدراما مع انتشار الشبكات التليفزيونية والطفرة في الإنتاج، وأعلنت جهات عديدة حاجتها إلى "ورق" (نصوص درامية) ورأيت أن القصة -التي لم تكتب بعد- جديرة بأن تتحول إلى مسلسل تليفزيوني، فكتبت المعالجة والحلقات الأولى وقدمتها إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، وبالفعل تلقيت ردا إيجابيا بعد عدة أسابيع، لكن طُلِبَ مني إعادة كتابتها وإضافة عناصر جديدة أكثر إبهارا وعدم التركيز على بيئة خيرالله الفقيرة فقط.
في نفس التوقيت، جاء سفري إلى دبي للعمل في الصحافة، وهناك تعطلت كل مشاريعي الإبداعية، حتى تلقيت اتصالا من صديقي السيناريست وليد خيري يخبرني بموافقة شركة إنتاج كبرى على إنتاج المسلسل، وبالفعل تم التعاقد واستكملنا كتابة السيناريو معا مستفيدا من خبرته، وكان من المقرر إنتاجه في صيف 2011 إلا أن اندلاع ثورة يناير حال دون إتمامه، وبعد فترة شرعت في استكمال الصفحات الأولى، والعودة إلى المشروع الأول وهو الرواية، واستغرقت في كتابتها نحو عامين كاملين.
* ثمة اختلافات بين نص كُتب كسيناريو في صورته الأولى وبين نص روائي بلوازمه المغايرة.. كيف نظرت إلى التجربة عقب الفراغ منها؟
- بكل تأكيد هناك اختلافات جذرية بين السيناريو وبين الرواية، في الرواية لم أخضع لمعايير نسبة المشاهدة المحتملة، ولم أضطر لإضافة شخصية هنا وحدث هناك، وإنما أمتلك فضاءً شاسعًا، وحدي أتحكم فيه وأشكله. وبالمناسبة حين أعيد قراءة بعض من أجزاء السيناريو الآن أتبين أوجه قصور عديدة لم ننتبه إليها وقتها، وأعتقد أننا سنعيد كتابته قريبا حين يتم البدء في إنتاجه.
* حدثنا عن مشروعك الروائي الجديد.. وهل سيمثل اتصالا أم انفصالا مع عالم "خيرالله الجبل"؟
- بعد نشر رواية "خيرالله الجبل" بأيام من كتابة رواية اخترت لها اسم "آيكاد"، كتبتها فيما لا يتجاوز ثلاثة أشهر، وبعد صدور خيرالله الجبل -التي استغرقت في كتابتها نحو العامين- ومتابعة آراء قرائها أعدت قراءة الرواية الجديدة فقررت إرجاء نشرها، رغم أنها حظيت بإعجاب من قرأوها على سبيل الاسترشاد بآرائهم. أما عن سبب إرجاء نشرها فربما لشعوري بأن هناك فكرة أخرى جديرة بالكتابة بعد رواية خيرالله، وربما تكون جزءًا من مشروع روائي متكامل. فكرة جديدة حول مكان جديد بعيد لم يرد من قبل في كتابات أدبية أو تاريخية، على الرغم من كونه شاهدًا على أحداث عظيمة كان لها أثرها في تاريخ مجتمعنا عبر العصور المختلفة.
* "المكان" يبدو فكرة مهيمنة على تصورك للكتابة. هل سيكون أيضا بؤرة انطلاقك في ما هو قادم من أعمالك؟
- نعم. أنا مولع بالنص الذي يحتوي عالما متكاملا، بأرضه وسمائه وما بينهما، هذا البراح الذي يعطي الكاتب متسعا للتحليق، ليكتب ويكتشف ويضيء ويستضيء بما اكتشف، الكتابة هنا تصبح حالة إنسانية فريدة، نوع من السمو والارتقاء. ومن ثم فأنا أومن بأن على الكاتب أن يكدّ حين يشرع في كتابة نصه، ذات مرة شبهت عملية الشروع في الكتابة بالدجاجة التي تبحث عن مكان لتضع بيضة نضجت في أحشائها، حالة غريبة من السعادة تجتاحه وهو "يبيض" ولذا لا يجب أن يجنح إلى التسرع أو الاستسهال في عملية خلقه حتى لا ينتج نصا يشوبه شيء من التشويه. وما زلت في مرحلة البحث والدراسة وربما الاستقصاء والمعايشة حتى أبدأ الكتابة بعد التشبع بما أحتاجه للكتابة.
aXA6IDE4LjIyMi4xNjMuMTM0IA== جزيرة ام اند امز