من ضمن الأقوال التي تُنسب إلى الكاتبة والأديبة الفرنسية- الأمريكية أنايس نين ( 1903- 1977 )، «عداوة العرب لا تضر وصداقة العرب لا تنفع».
رغم أنه لا يوجد سجل تاريخي يوثق متى قيلت هذه العبارة وما مناسبتها؟ فإنها فرصة مواتية لتسليط الضوء على ما يتم الحديث عنه من وقت لآخر، داخل مراكز صناعة القرار العالمي، حول أهمية المنطقة العربية من عدمه، بالنسبة للأمن والسلم الدوليين.
اختزال أهمية المنطقة العربية، في اعتبارها مخزناً لا ينضب للنفط، سيما وأنها تساهم بحوالي 30-35% من الإنتاج العالمي، يمثل جزءاً من الحقيقة وليس كل الحقيقة.
المنطقة العربية تلعب دوراً وازناً في استقرار سوق النفط العالمي، لكن في الوقت نفسه تلعب أدواراً بالغة الأهمية في المجالات الأمنية والسياسية والاستراتيجية، لما تمتلكه من موقع استراتيجي، وثروات طبيعية كبيرة، ما يجعلها محط اهتمام القوى الإقليمية والدولية.
مكافحة الإرهاب والتطرف
تعد مكافحة الإرهاب والتطرف من أبرز المكاسب الأمنية التي تحققها الدول الإقليمية والدولية من علاقتها بالدول العربية.
تنتشر الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية، مثل تنظيم "داعش" و"القاعدة"، ما يشكل تهديدًا للأمن العالمي.
من خلال التعاون الأمني مع الدول العربية، تتمكن الدول الإقليمية والدولية من تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق العمليات الأمنية المشتركة، والحد من أنشطة هذه الجماعات الإرهابية.
على سبيل المثال، ساعد التعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية في تقليص نفوذ "داعش" في العراق وسوريا.
بجانب هذا الدور تعتبر الدول العربية المُطلة على الخليج العربي، والبحر الأحمر، لاعبًا أساسيًا في تأمين خطوط الملاحة البحرية الدولية.
مضيق هرمز وباب المندب هما من أهم الممرات البحرية التي تمر من خلالها نسبة كبيرة من النفط العالمي، أضف إليهما قناة السويس التي تعتبر شرياناً حيوياً للتجارة العالمية.
من خلال التعاون مع الدول العربية، تضمن القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وأوروبا حرية الملاحة وأمن السفن التجارية، ما يعزز الاستقرار الاقتصادي العالمي ويمنع تهديدات القرصنة والهجمات البحرية.
تعزيز النفوذ السياسي
تحقيق نفوذ سياسي أكبر في منطقة الشرق الأوسط، يعد أحد أهم المكاسب التي تسعى إليها الدول الإقليمية والدولية من خلال صداقتها مع الدول العربية.
المنطقة العربية تمثل محورًا للكثير من القضايا الدولية الحساسة مثل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، والأزمات في سوريا واليمن وليبيا.
من خلال علاقاتها الوثيقة مع الدول العربية، تستطيع الدول الكبرى لعب أدوار مؤثرة في هذه القضايا.
تتطور هذه الأدوار إلى بناء تحالفات إقليمية مؤثرة، ما يعزز من استقرار المنطقة ويحقق توازن القوى، في مواجهة التحديات الأمنية المتنامية في أكثر من نقطة ساخنة على خريطة الجغرافيا العربية.
هذه التحالفات تتيح تبادل الدعم السياسي والاقتصادي والأمني، وتعزز استقرار المنطقة على المدى الطويل.
لا يمكن الحديث عن التحالفات الإقليمية، دون العروج إلى العلاقات الدفاعية، إذ تعد من أبرز أوجه التعاون بين الدول العربية والدول الإقليمية والدولية.
تشمل هذه العلاقات صفقات الأسلحة المتطورة والتدريبات العسكرية المشتركة وتبادل التكنولوجيا الدفاعية.
تستفيد الدول العربية من الحصول على أحدث المعدات والتقنيات العسكرية، بينما تستفيد الدول المصدرة للأسلحة من الناحية الاقتصادية وتعزز نفوذها العسكري في المنطقة.
على سبيل المثال، صفقات الأسلحة بين الولايات المتحدة والدول العربية التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنويًا.
مكاسب سياسية واقتصادية
التعاون الأمني والسياسي والعسكري يفتح الأبواب أمام تعزيز العلاقات الاقتصادية. استثمارات الدول الإقليمية والدولية في البنية التحتية والطاقة في الدول العربية تعود بالنفع على كلا الجانبين.
من جهة، تحصل الدول العربية على دعم مالي وتقني لتطوير اقتصاداتها، ومن جهة أخرى، تستفيد الدول المستثمرة من الوصول إلى موارد الطاقة والأسواق الجديدة.
بيت القصيد.. لم يعد مقبولاً في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، إعادة ترويج أفكار أو مصطلحات تجاوزها الزمن.
الدول العربية حريصة كل الحرص على أن تلعب دوراً بارزاً في إخماد الحرائق المشتعلة في مختلف أنجاء العالم. لعل دورها البارز في الحرب الروسية - الأوكرانية كان مقدراً ولافتاً في آنٍ واحد.
في الوقت نفسه لابد من تعامل القوى الدولية مع المنطقة العربية على أنها حجر زاوية في الأمن والسلم الدوليين، ومن ثم لم يعد صائباً التشويش على الوزن النسبي للمنطقة العربية في استراتيجية تعزيز الأمن والاستقرار العالمي.
** كاتب صحفي مصري
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة