قد يكون هناك بعض الإنجازات الداخلية للرئيس الأمريكي جو بايدن على صعيد الولايات من خلال الحكومة الفيدرالية التي يقودها، وهذا أمرٌ لا يهمنا كثيراً في الشرق الأوسط.
بل لا يمس بالمباشر قضايانا وأوجاعنا، ولكن ما يهمنا كعرب أداء السياسة الخارجية للبيت الأبيض في ظل وجود إدارة بايدن فيه.
وقد شكل انسحاب بايدن من السباق الرئاسي الانتخابي حدثاً غير مفاجئ، لكنه ألقى بظلاله على مشهد الانتخابات الهامة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لأن الحزب الديمقراطي وإن سارع لاختيار كامالا هاريس مرشحةً رسمية لمنصب الرئيس القادم، إلا أن تبعات ذلك تحمل في طياتها الكثير من الخفايا.
أولاً: حملة الرئيس السابق دونالد ترامب للرئاسة كما الحزب الجمهوري بقدراته التشريعية في الكونغرس الأمريكي بغرفتيه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) يسعون لترسيخ مفهوم (الكذب) كصفة ملاصقة للمرشحة (هاريس)، وهم يستدلون على ذلك بزعمها قدرة الرئيس بايدن على ممارسة مهامه، كما اتهامها والمتنفذين في الحزب الديمقراطي بإخفاء الحالة الصحية للرئيس بايدن على الجميع، بمن فيهم قواعد الحزب وناخبيه.
ثانياً: ولعل أخطر ما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية الآن بعيد إعلان الرئيس بايدن انسحابه من السباق الرئاسي، نوايا الجمهوريين لإجباره على الاستقالة الفورية من منصبه كرئيس، خلال الفترة القليلة المتبقية له في ولايته، ويقولون هنا: بما أن بايدن عاجزٌ عن إكمال حملته الرئاسية، فهو أيضاً عاجزٌ عن الاستمرار بمنصبه كرئيس يحكم أقوى دولة في العالم.
ثالثاً: وبين هذين المصيرين، مصير بايدن أم مصير أمريكا، تلوح بالأفق حقائق جديدة تتعلق بالسياسة الأمريكية ككل، وأخطاء الحزب الديمقراطي الذي حكم أمريكا خلال الأعوام الماضية، والشلل السياسي والتردد الظاهر والارتجال وغياب الاستراتيجية الأمريكية في معالجة أزمات دولية كبرى، تبدأ من الحرب الأوكرانية ولا تنتهي بالحرب الدموية الحاصلة في قطاع غزة
رابعاً: و من المهم القول أن الرئيس السابق ترامب بصفته مرشحاً جمهورياً للرئاسة، استطاع توحيد حزبه خلفه، واستفاد كثيراً من محاولة اغتياله الفاشلة في بنسلفانيا، عبر توظيف خطاباته الانتخابية لصالح شعبية متزايدة، وضعته في مقدمة السباق بحسب استطلاعات الرأي الأمريكية التي تنشر كل يوم، لكن ترامب يعي مخاطر انسحاب بايدن، ويقارب المسألة مع حملته الانتخابية من زوايا مختلفة.
خامساً: وفي جعبة هاريس، المرشحة الآن، العديد من عوامل الفوز التي يتحدث عنها الحزب الديمقراطي، فهي سيدة وقد يقنع هذا الكثير من النساء والأقليات بالتصويت لها في اليوم المنشود في الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن هذه الفرضية تنسفها خسارة هيلاري كلينتون، التي كان الديمقراطيون يعولون على فوزها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل السابقة، وفي الوقت نفسه، هناك من هم مطلعون على ماهية الديمقراطية الأمريكية، ويقول بعضهم: إن المزاج الأمريكي ليس بذلك النضج الذي يستهوي وصول سيدة لمنصب رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية
سادساً: يحاول الجمهوريون أن يقوموا بكل ما في وسعهم لإقناع الجميع بأن الانتخابات تم حسمها قبل أن تبدأ، وأن دونالد ترامب هو الرئيس القادم، الحكاية مسألة وقت فقط، ولأن ترامب أيضاً اختار نائباً له كـ جي دي فانس، ذلك الشاب القادم من الطبقة العاملة في ولاية أوهايو، وهي من الولايات المتأرجحة التي لا تعرف حتى استطلاعات الرأي ميولها الحقيقية.
والخلاصة في ذلك تتصل بكلمتين: إن الدول العربية القوية خبرت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كما خبرت الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، والخشية غير موجودة لأن هذه الدول تتعامل مع واشنطن بشكل مؤسسي، لا يأخذ أحياناً بعين الريبة خلفية الرئيس المنتخب حزبياً، فكلام المرشح غير كلام الرئيس حين يجلس على كرسي الحكم في المكتب البيضاوي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة