قام تنظيم "داعش" الإرهابي قبل أيام بهجوم غادر على مسجد للشيعة في سلطنة عُمان الشقيقة. وفي هذا الهجوم دلالات كثيرة حملتها تلك العملية التي راح ضحيتها 6 قتلى وعدد من المصابين.
وأول ما يجب التوقف عنده في ذلك الحادث المشؤوم الذي أصاب الجميع بالصدمة هو: أن العملية وقعت في مسجد الوادي الكبير بمسقط، لكن الأمر لا يرتبط بسلطنة عُمان تحديداً، إذ لم تشهد أي نوع من الإرهاب أو تلك النوعية من أعمال العنف ذات الطابع الديني أو السياسي. فالسلطنة معروفة عبر تاريخها بالتسامح الديني والتعايش واستيعاب المجتمع هناك لكل العقائد والمذاهب والأفكار في انسجام تام سواءً بين المواطنين أو المقيمين أو الضيوف والزائرين.
وإنما بنظرة أوسع لذلك الحدث المستجد على المجتمع العماني، يجب الرجوع قليلاً إلى وضع ومصير تنظيم "داعش" الذي يطلق على نفسه "تنظيم دولة الخلافة الإسلامية"، فقد انهارت تلك الدولة المزعومة بعد أعوام قليلة من إعلانها في الموصل بالعراق وهروب الكثير من أعضائه إلى دول أخرى من العالم.
وبالتالي كان ذلك سبباً في حدوث تطورات جديدة منها: وقوع عمليات يقوم بها أفراد من أعضاء التنظيم، بعضها تم بشكل فردي وفق نموذج "الذئاب المنفردة" وبعضها الآخر تم بواسطة مجموعة من المنتمين إلى التنظيم. لكن المشترك بين عمليات التنظيم الأخيرة، أنها جميعاً تستهدف ما يطلق عليه أولئك الإرهابيون "ساحات جهاد" جديدة مختلفة عن تلك السابقة.
فظهرت بصمات التنظيم وحشيته في عمليات وقعت في أفغانستان وروسيا والشيشان وغيرها من مناطق خارج النطاق التقليدي لنشاطات التنظيم في وقت ازدهاره. وهي ساحات مستحدثة على بنك أهداف التنظيم الإرهابي.
إذن السلطنة ليست مستهدفة لذاتها، ولا لأنها نقطة مواجهة أو منطقة اضطراب، بل على العكس: هي دولة آمنة وساحة استهداف غير متوقعة.
وتتميز الشقيقة عُمان تحديداً عن مناطق العمليات الأخيرة، فالسلطنة تتمتع بدرجة كبيرة من الحرية الدينية والعقائدية. وفي هذا معنى شديد الأهمية بالنسبة لتوجهات وأفكار الإرهابيين والمتطرفين عموماً وليس "داعش" فقط. حيث التطرف والإرهاب ليس مدفوعاً كما يدعون بتقييد الحريات أو الاضطهاد الديني أو غير ذلك من المزاعم غير الواقعية، فحتى الدولة المعروفة بالتسامح الديني والمذهبي وتتيح السلطات فيها ممارسة الشعائر الدينية بحرية كاملة، تعرضت هي أيضاً للإرهاب الأعمى بلا أي مبرر ولا منطق.
دلالة أخرى مهمة وجديدة، تلك أن العناصر التي قامت بالهجوم على المسجد في مسقط، من المواطنين العمانيين أي عناصر محلية وليسوا من الدواعش الأجانب أو هاربين من سوريا أو العراق. ومعنى ذلك أن الفكر المتطرف لا يعرف حدوداً ولا يتقيد بجنسيات دون غيرها. بل إن المتورطين في الحادث أخوة ثلاثة، ما معناه أنهم جميعاً تعرضوا لعملية "غسيل مخ" قوية هيمنت على فكره وتوجهاتهم. فكون المجتمع العُماني يتسم دائماً بالتسامح والوسطية والانفتاح مع أي توجهات بدون إقصاء، لم يمنع ظهور قلة أو استثناءات تعتنق فكراً متطرفاً منغلقاً.
لهذا لا يجب الاقتصار في فهم وتحليل الحادث المأساوي، على افتراض واحد بأن أولئك الذين مارسوا الإرهاب في عُمان، تنحصر دوافعهم في التطرف المذهبي والعداء نحو أهل المذهب الشيعي.
فحتى وإن كان ذلك صحيحاً بنسبة بسيطة، ربما أسباب أخرى وجوانب أخرى غير ظاهرة. منها مثلاً أن هؤلاء الأفراد ربما خُدعوا ووقعوا مثل كثيرين سبقوهم تحت تأثير وتحريض أطراف لا تريد لشعوب المنطقة خيراً، هدفها إشعال الفتن والإيقاع بين الشعوب وبعضها وليس فقط بين الشعوب وحكوماتها. ولعل في اختيار عُمان تحديداً ما يرجح هذا التحليل، فالسلطنة تجمعها علاقات جيدة للغاية بإيران وقامت في الأعوام الأخيرة بتحركات إيجابية واسعة في اتجاه تصفية الأجواء الإقليمية وتولت وساطات مهمة في الملف النووي الإيراني وغيره من القضايا التي يفترض أن تساعد على تهدئة البيئة الإقليمية، خصوصاً ما يتعلق منها بالدور الإيراني. ومع انتخاب رئيس إيراني جديد يتطلع الجميع إلى ما سيحمله من توجهات وسياسات، لا شك في أن ظلال ذلك الحادث الإرهابي في مسقط ستكون حاضرة في المستقبل القريب.
وفي الوقت ذاته، ورغم أن الإرهاب يجب ألا يدفع أي شعب أو حكومة إلى تغيير توجهاتها الوسطية وتمسكها بالتسامح والتنوع كما هو الوضع في سلطنة عُمان، إلا أن السلطات في مسقط سيكون لها كل الحق في تطبيق ما تراه ضرورياً من إجراءات وقرارات تحفظ لذلك البلد الآمن أمنه واستقراره وسلامة مواطنيه.
وأياً ما كانت النتائج المباشرة التي ستترتب على ذلك الحادث المأساوي، ثمة مغزى بعيد المدى وعميق يجب الانتباه إليه، وهو أن محاربة التطرف والإرهاب، سواء تمثل في "داعش" أو غيره من تلك الكيانات الإرهابية، لا تتوقف أبداً ولا ينبغي الظن بأن لها حداً أو نهاية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة