أما بشأن ترتيب الدول العربية، فقد تصدرت دولة الإمارات وذلك للعام الثاني على التوالي
في إطار بيئة التنافس العالمي الراهن وتركيز كُل دولة على ميزاتها النسبية الاقتصادية والاجتماعية، فإنه من الضروري دائما أن نقارن ما يحدث في بلادنا وما يحدث في الدول الأخرى. وإذا كان من المهم أن نعمل على تقدم مجتمعاتنا في مجال التعليم أو الصناعة مثلا فإن الأكثر أهمية هو مقارنة نسبة التقدم الذي نحققه بتلك التي ينجزها الآخرون، وذلك حتى تتحسن مكانتنا على المستوى العالمي.
تناولت هذا الموضوع من قبل عندما عرضت في هذا المكان لمكانة الدول العربية، وفقا لتقرير التنافسية العالمية الذي يصدره منتدى ديفوس الاقتصادي، ومؤشر أداء الاعمال الذي تصدره الأمم المتحدة. وأعود لتناول هذا الموضوع بمناسبة صدور التقرير الخاص بمؤشر التجارة الإلكترونية لعام 2019 الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وهي ما تعرف بالأونكتاد (UNCTAD).
يتضحُ من هذا التحليل أن الدول العربية انقسمت بالتساوي يبن مجموعة الدول التي حققت تقدُما في ترتيبها مُقارنة بعام 2018، وتلك التي تراجعت وفقا للمعيار نفسه وأنه يُمكن إرجاع ذلك بشكل عام إلى مدى توافُر الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتبني حكوماتها لسياسات التحول الرقمي، والجدية في تنفيذها على مُستوى الدولة والاقتصاد والمُجتمع
ومنظمة التجارة والتنمية هي هيئة دولية تابعة للأمم المتحدة نشأت في عام 1964، بهدف مساعدة اقتصادات الدول النامية أو دول الجنوب في النهوض والاندماج في السوق العالمي. وذلك بالتركيز على قضايا التجارة والتنمية، والدور الذي يقوم به التبادل التجاري للسلع والخدمات بين الدول في زيادة صادراتها والارتقاء بقدراتها الإنتاجية ومستوى معيشتها.
ويُشير مفهوم التجارة الإلكترونية E –Commerce إلى كل التبادلات التجارية التي يقوم بها الأفراد والشركات والهيئات في داخل الدولة الواحدة أو بين الدول باستخدام شبكة الإنترنت. ونشأت في كثير من دول العالم متاجر ومعارض وصالات مزادات ليس لها وجود فعلي وإنما تقوم بعرض منتجاتها والتسويق لها وبيعها من خلال الإنترنت، أكبرها على الإطلاق شركة أمازون الأمريكية التي بدأت نشاطها عام 1994 والتي وصلت أرباحها عام 2018 إلى 869.2 مليار دولار، وذلك وفقا للتقرير السنوي للشركة، وهو مبلغ يتجاوز إجمالي الناتج المحلي لكثير من دول العالم. وتتسم هذه التجارة بسمات فريدة وجذابة، فمن خلالها يمكنك أن تشتري من أي مكان في العالم، وبأسعار أقل من تلك الموجودة في الأسواق. ويتولى البائع مسؤولية توصيل المشتريات إلى منزلك وهي تجارة لا تتوقف في أي وقت من أوقات النهار أو الليل وطوال أيام الأسبوع دون انقطاع. ويبلُغ حجم هذه التجارة على مُستوى العالم نحو 26 تريليون دولار سنويا.
أما بالنسبة للتقرير، فإنه يحمل عنوانا لا يدل على مضمونه، فقد يتوقع القارئ أن يجد فيه أرقاما وإحصاءات عن حجم التجارة الإلكترونية في العالم ونصيب كل دولة منها وترتيبها وفقا لذلك. ولكنه سوف يفاجأ بأن التقرير لا يشمل أي معلومات من هذا النوع، بل إن موضوعه هو جاهزية الاقتصاد لأنشطة التجارة الالكترونية. أو بتعبير آخر؛ إلى أي مدى توفر البنية الرقمية الاقتصادية البيئة المُحفزة لممارسة أنشطة التجارة الإلكترونية؟
ويعتمد التقرير في هذا الشأن على أربعة مؤشرات هي: معدل انتشار استخدام الإنترنت وهو ما يشير إلى شمول البنية التحتية الإلكترونية، وانتشار الحسابات الإلكترونية وبطاقات الدفع للمواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وتوافر خوادم آمنة لاستخدام الحسابات وبطاقات الدفع، وتأمين المراسلات الإلكترونية التي يسميها البعض "الموثوقية البريدية". وشمل تقرير 2019 دراسة هذه المؤشرات في 152 دولة.
كانت الدول العشر التي تصدرت الترتيب العالمي هي: هولندا للعام الثاني على التوالي، ثُم سويسرا، وسنغافورة، وفنلندا، والمملكة المتحدة، والدنمارك، والنرويج، وأيرلندا، وألمانيا، وأستراليا. ويُلاحظ أنها الدول نفسها التي شغلت صدارة الترتيب في عام 2018 باستثناء ثلاث دول هي: نيوزيلندا، والسويد، وأيسلندا، التي تراجع ترتيبها وحَل محلها: أستراليا، وألمانيا، وفنلندا. ويُلاحظ أيضا أن أغلبية دول الصدارة وفقا لتقرير 2019 هي دول أوروبية (8 دول)، وأن كثيرا منها دول تتسم بقلة عدد السُكان، وأنها شملت كُل الدول الإسكندنافية. وأن الدولتين الأخريين تنتميان إلى القارة الآسيوية. ويُلاحظ أيضا أنه يغيب عن القائمة الولايات المُتحدة والصين، وهُما أكبر اقتصادين في العالم. ويغيب عنها أيضا عدد من دول مجموعة العشرين منها: كندا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا.
أما بشأن ترتيب الدول العربية، فقد تصدرته دولة الإمارات، وذلك للعام الثاني على التوالي (28 عالميا)، وهي الدولة التي تصدرت أيضا قائمة الدول العربية على مؤشر التنافسية العالمية، ومؤشر أداء الأعمال. وتلتها كل من قطر (47) والسعودية (49) والكويت (55) وسلطنة عمان (59)، والبحرين (65). ويعني هذا أن الدول الست الأولى عربيا هي دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول التي تأخذُ بنظام الاقتصاد الحُر والاكثر اندماجا في السوق العالمية.
وإذا قسمنا العدد الإجمالي للدول التي شملها التقرير إلى ثلاث مجموعات، فإن المجموعة الأولى (1-50)، تشمل ثلاث دول؛ وهي الإمارات، وقطر، والسعودية. وأن المجموعة الثانية (51-100) تشمل سبع دول هي: الكويت (55) وسلطنة عمان (59)، والبحرين (65)، ولبنان (68)، وتونس (70)، والأردن (87)، والمغرب (95). والمجموعة الثالثة (101-152) تشمل عشر دول، وهي مصر (102)، والجزائر (107)، وليبيا (109)، وجيبوتي (124)، والسودان (130)، والعراق (131)، وسوريا (134)، واليمن (141)، وموريتانيا (145)، وجزر القمر (149).
ويتضح من ذلك، أن غالبية الدول العربية في المجموعة الثالثة والشريحة الدنيا في المجموعة الثانية، وأن دولتين تقعان ضمن الدول العشر التي احتلت ذيل القائمة.
وبصفة عامة، فقد حقق عدد من الدول العربية تقدما ملحوظا في مراكزها، فتقدمت جيبوتي بـ14 مركزا (من 138 إلى 124)، وسلطنة عُمان بـ13 مركزا (من 72 إلى 59)، وقطر 12 مركزا (من 59 إلى 47)، ومصر 11 مركزا (من 113 إلى 102)، والكويت 10 مراكز (من 65 إلى 55)، وتونس 9 مراكز (من 79 إلى 70)، والإمارات بخمسة مراكز (من 33 إلى 28)، وكذلك اليمن (164 إلى 141)، والجزائر 4 مراكز (من 111 إلى 107)، والسعودية بثلاثة مراكز (من 52 إلى 49).
وهُناك دول تراجعت في ترتيبها مثل: المغرب تراجعت 14 مركزا (من 81 - 95)، والأردن 13 مركزا (من 74 إلى 87)، والسودان 8 مراكز (من 122 إلى 130)، وموريتانيا 6 مراكز (من 139 إلى 145)، ولبنان 5 مراكز (من 63 إلى 68)، والبحرين 4 مراكز (من 61 إلى 65)، وكذلك جزر القمر (من 145 إلى 149)، والعراق بمركزين (من 129 إلى 131) وكذلك ليبيا (من 109 إلى 107).
وكانت سوريا الدولة الوحيدة التي احتفظت بنفس ترتيب العام الماضي وهو 134.
ويتضحُ من هذا التحليل أن الدول العربية انقسمت بالتساوي يبن مجموعة الدول التي حققت تقدُما في ترتيبها مُقارنة بعام 2018، وتلك التي تراجعت وفقًا للمعيار نفسه، وأنه يُمكن إرجاع ذلك بشكل عام إلى مدى توافُر الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتبني حكوماتها لسياسات التحول الرقمي، والجدية في تنفيذها على مُستوى الدولة والاقتصاد والمُجتمع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة