60 مليون قطعة.. ليبيا بوابة تهريب الأسلحة في أفريقيا
أرقام مفزعة حول تزايد أعداد قطع السلاح في ليبيا بشكل غير مسبوق ما يشكل خطورة حالية ومستقبلا ضبابيا بشأن وضعها في أيدي المدنيين
إبان سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 سيطرت المليشيات المسلحة على مخازن السلاح والذخيرة ووصلت فوضى السلاح إلى حالة غير مسبوقة، ولكن الوضع أخذ في التدهور لتسيطر على ليبيا في وقت من الأوقات نحو 1600 مليشيا مسلحة بعد أن كانت نحو 18 فقط في الأيام الأخيرة من سقوط نظام العقيد.
هذه المليشيات المسلحة الآخذة في الازدياد عملت على تسليح نفسها رغم القرارات الأممية بحظر توريد السلاح إلى ليبيا لتصل يونيو/حزيران الجاري إلى أكثر من 60 مليون قطعة، بحسب تصريحات مفوض السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي إسماعيل شرقي.
وأبدى شرقي في مقابلة مع «إذاعة فرنسا الدولية» قلقه من انتهاك حظر الأسلحة الذي أصدرته الأمم المتحدة، قائلاً: "إن مجلس الأمن يواجه اليوم تحديًا كبيرًا، وسيكون من الضروري للغاية إيقاف تدفق الأسلحة الذي سيزيد من حدة الأزمة ويزيدها سوءًا، وربما يطيلها في المستقبل".
تصريحات شرقي تأتي في السياق نفسه مع ما قاله المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أبريل/نيسان الماضي "إن التقديرات الأممية تؤكد أن أعداد قطع السلاح في ليبيا تخطت 29 مليون قطعة بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة".
بوابة تسليح بوكوحرام
هذه الأرقام رغم تضاربها إلا أنها تعطي إشارات هامة عدة منها التزايد غير المسبوق لانتشار السلاح في ليبيا والاهتمام الأممي والإقليمي بتبعات هذا الانتشار وما يلقيه من تهديد على دول الجوار الليبي وسائر دول القارة الأفريقية.
فقد أثبتت تسريبات وثائق ومصورة عام 2013 نشرت على صحيفة "صنداي تايمز" أن الاستخبارات البريطانية رصدت تأمين حركة "بوكوحرام" النيجيرية طريقها لتهريب السلاح من ليبيا إلى نيجيريا عبر تشاد لتشارك به في عملياتها الإرهابية التي تمتد في نحو 4 دول.
وكشف التقرير المسرب أن من بين السلاح المهرب من ليبيا مدافع مضادة للطائرات وقذائف هاون، وصواريخ أرض-جو.
كما وصل السلاح الليبي إلى التنظيمات الموالية والتابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب سواء من خلال الاتجار مع المليشيات المسلحة في ليبيا أو من التنظيمات التابعة والحليفة داخل ليبيا.
وبحسب تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة في ليبيا عام 2014 فإن تدفق الأسلحة إلى ليبيا ساهم في تهريب السلاح إلى 14 دولة على الأقل، عبر جهات مسلحة غير نظامية (المليشيات).
خروقات حظر التسليح
رغم القرارات الدولية بحظر التسليح على ليبيا فإن العديد من الدول تخرق هذه القرارات لتوصل السلاح إلى حلفائها في الداخل، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي في مارس/آذار 2011 قراره رقم 1970، وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار".
كما حظر القرار أيضًا أن "تشتري الدول الأعضاء أي أسلحة وما يتصل بها من أعتدة من ليبيا".
وفي يونيو 2017، أصدر مجلس الأمن قرارا بمواصلة حظر التسليح على ليبيا، لافتا إلى أن" الحالة في ليبيا لا تزال تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين".
إلا أن دولا عدة لا تزال تخترق حظر التسليح المفروض على ليبيا وتزود الإرهابيين والمليشيات بالسلاح على رأسها تركيا وقطر وإيران من خلال صفقات الموت والسفن والطائرات التي تصل إلى موانئ طرابلس ومصراتة الجوية البحرية محملة بصناديق السلاح والذخيرة.
مبادرات جمع السلاح.. فشل ذريع
طرحت العديد من الدول المهتمة بالأزمة الليبية وكذلك منظمات المجتمع المدني والشخصيات الاعتبارية الليبية والدولية مبادرات عدة لجمع السلاح في ليبيا إلا أنها لم تلقَ النجاح المطلوب ولا القابلية في المجتمع الليبي القائم على النظام القبلي.
كانت بداية هذه المبادرات التي أطلقها المستشار والباحث القانوني أسامة عبدالرحيم البشيري يوليو/تموز 2012 بتأسيس "هيئة جمع ونزع السلاح" تابعة لرئاسة أركان الجيش الوطني وتتكون من ذوي الخبرة والكفاءة الأمنية والعسكرية ومتخصصين بالمجالات القانونية والسياسية والاجتماعية والدينية وخبراء علم نفس واجتماع، ووجهاء وشيوخ القبائل.
واقترح البشيري إنشاء صندوق مالي بمسمى "صندوق شراء السلاح"، لشراء السلاح من المواطنين والتشكيلات المسلحة ونقل السلاح الذي تجمعه الهيئة لمخازن الجيش.
جمع للسلاح أم دمج للمتطرفين
اقترح العقيد سالم جحا أحد قادة كتائب مصراتة يوليو/تموز 2012 (وهو الآن نائب رئيس أركان جيش حكومة الوفاق) تحويل قوات "درع ليبيا" الإرهابية إلى قوات الجيش الاحتياطي التي ربما تعمل بالتوازي مع جيش البلاد والبحرية والقوات الجوي.
واقترح جحا منح أفراد مليشيات "درع ليبيا" تدريبا لمدة شهر سنوياً في مقابل تسليم الأسلحة الثقيلة ـ المدفعية، الدبابات، الصواريخ والبنادق عديمة الارتداد ـ إلى وزارة الدفاع.
أما المبادرة الثالثة فقد أطلقتها الحكومة الليبية بعد الهجوم على مبنى القنصلية الأمريكية في بنغازي ومقتل السفير الأمريكي في سبتمبر/أيلول 2012، إذ كلفت الجيش الليبي بتشكيل لجنة يرأسها العقيد حسين محمد لجمع السلاح من المواطنين في مقابل إدخال من يسلم أسلحة أو ذخائر للسحب في جوائز بينها سيارات وأجهزة إلكترونية.
وتلت هذه المبادرة مبادرة عدة من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة وبعض مؤسسات المجتمع المدني والبرنامج الليبي للإدماج والتنمية LPRD إلا أن إحداها لم تستطع إيقاف العزف بالرصاص في ليبيا.
كما طرح وزير الخارجية المصري سامح شكري، أغسطس/آب 2014، مبادرة تم توزيعها في شكل إعلان على المشاركين في افتتاح الاجتماع الرابع لوزراء خارجية دول الجوار الليبي المنعقد في القاهرة.
ويرى المحلل السياسي الليبي بكر الحاسي أن جمع أكثر من 13 مليون قطعة سلاح في ليبيا (على أقل تقدير) أمر صعب -حتى بوجود الدولة- لاعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، ولهذا يجب أن ننتقل من فكرة جمع السلاح إلى فكرة التحكم في ذلك السلاح.
وأوضح الحاسي في حوار صحفي 5 مايو/أيار الماضي أن عملية الجمع صعبة لكن ليس مستحيل التحكم فيها من خلال سن تشريعات وإصدار قرارات تتعلق بامتلاك السلاح، وشروط للترخيص لمعرفة مكان تواجد كل قطعة، وصولا إلى مرحلة إلغاء ذلك القرار أو القانون، بعد بسط هيبة الدولة.