طرابلس العاصمة الليبية أسيرة المليشيات والتغافل الدولي لسنوات، لم يتقدم الجيش الليبي إلى تحرير عاصمة بلاده، وهو يظنها نزهة بحرية.
العاصمة عاصمة ليبية والجيش جيش ليبي وليس جيش جولييتي، ولا تستنسخ تجربة هذا الجنرال الإيطالي في غزو طرابلس إبان الاحتلال الإيطالي، لأنه ببساطة جيش وطني، وليس جيشاً غازياً، وهذا الإسقاط التاريخي غير منصف وغريب، ويعبر عن حالة جهل وإفلاس في توصيف مؤسسة عسكرية وطنية كان ميلادها قبل ميلاد جنرالاتها المعاصرين وحتى الراحلين، وأي خلاف معهم لا يبيح التضليل أو التآمر عليهم بالكذب والتشويه.
صحيح يمكنك الاختلاف مع المشير خليفة حفتر قائد الجيش، ولكن لا يمكنك تشويه الجيش الليبي، ووصفه بالجيش الغازي من البحر، فالجيش الليبي لم يدخل طرابلس غازياً من البحر، بل دخلها محرراً برجالها الوطنيين من محيطها الترابي الليبي من غريان والزاوية وبني بوليد صحبة رجالها الوطنيين، فمعركة تحرير العاصمة طرابلس هي معركة وطنية، وأي توصيف آخر لها يعتبر تسطيحاً لقضية وطنية وتشويهاً لها.
رسالة الجيش الليبي حول الانتخابات والدولة المدنية كانت واضحة منذ البداية، وإن تكررت اليوم بوضوح كامل، وهي أن الجيش ليس ضمن اللعبة السياسية ولا ينخرط فيها
الجيش الليبي مؤسسة عسكرية عريقة ومنضبطة تؤمن بالدولة المدنية، وليس بمفهوم استراتوقراطية الدولة (Stratocracy)؛ مؤسسة عسكرية ذات عقيدة وطنية، فالجيش الليبي الذي تم تأسيسه في 9 أغسطس/آب عام 1939 من قبل مجاهدين ليبيين أطلق عليهم القوة العربية الليبية، كقوة وطنية لمحاربة الاحتلال الإيطالي، جيش وطني يتشكل أفراده من الشرق والغرب والجنوب الليبي، عقيدته وطنية خالصة، ولا يحمل أجندات خارج حدود الوطن، وأثبت مهنية وانضباطية عالية في تقدمه في الشرق والجنوب وحماية حقول النفط، وحافظ على احترام قواعد الاشتباك، وليس من المنصف أن يشبه جيش وطني بآخر غازٍ، كتشبيه الجيش الليبي في تقدمه لتحرير العاصمة من قبضة المليشيات والعصابات الإجرامية بجيش جولييتي، من قبل سدنة المليشيات وأبواقها، والمستفيدين من تركة المليشيات ومن بقايا فريستها، وهذا يعتبر إغفالاً للحقيقة بل يعتبر ترويجاً للكذب والتضليل، ووثيقة دفاع عن مليشيات إجرامية استوطنت العاصمة الليبية لأكثر من ثماني سنوات، فالجيش الليبي يصارع الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي، والفوضى من أجل دولة وطنية بحدودها الجغرافية غير المنهوبة ولا المحتلة، يتنازعها محيط إقليمي مليء بالإرهاب.
طرابلس العاصمة الليبية أسيرة المليشيات والتغافل الدولي لسنوات، لم يتقدم الجيش الليبي إلى تحرير عاصمة بلاده، وهو يظنها نزهة بحرية كما ظنها جولييتي، بل إنه تجنَّب المعركة بشتى الطرق، لأنه يعرف تماماً الحرب التي فرضت عليه، ولكن التضحية أصبحت واجبة ولا مناص من التقدم لتحرير العاصمة، بعد ثمانية أعوام عجاف، استحكمت فيها المليشيات وأصبحت ترتهن العاصمة وسكانها، وتمارس ابتزاز الحكومات المتعاقبة في طرابلس لدرجة أنها ذات مرة اختطفت رئيس الحكومة زيدان في محاكاة مشهد مافيوي لسيناريو اختطاف الدو موروا رئيس الحكومة الإيطالي في السبعينيات، كما اعتقل رئيس المؤتمر الوطني (البرلمان) من منامته، وأظهره فيديو بمظهر الذليل وهو يستجدي رئيس تلك المليشيا.
سيطرت المليشيات على العاصمة طرابلس منذ الأيام الأولى لحراك فبراير/شباط 2011 الذي انتهى بالفوضى وانتشار السلاح، حيث لم يكن هناك أي نية صادقة أو جهد صادق لجمعه ولملمة الفوضى من قبل حلفاء الناتو، الذين أسقطوا الدولة الليبية لتنهشها المليشيات المؤدلجة ومليشيات الإسلام السياسي التي تأتمر بأوامر من الخارج تتنوع بين البغدادي والظواهري والمرشد؛ مليشيات لا يوحدها سوى استمرار الفوضى.
التآمر والافتراء على الجيش الليبي تنوعت أوجهه؛ منها مشروع تفكيك الجيش الليبي ومحاولة استنساخ سيناريو بول بريمر، بتشكيل مليشيات موازية، قام بها الإسلام السياسي بقيادة تنظيم الإخوان أثناء فترة حكومة المؤتمر الوطني، وتم تسليحها في استثناء جزئي للحظر على التسليح عام 2013، وهي التي تصارعها اليوم القوات المسلحة العربية الليبية في العاصمة طرابلس، والتي جعلت منها حكومة الوفاق "قوات لها"، وهي مجرد تحالف مليشيات بعضها مؤدلج ومليشيات مناطقية وأخرى عصابات إجرامية مختلفة الولاء لم يجمعها سوى العداء للجيش الوطني الليبي.
رسالة الجيش الليبي حول الانتخابات والدولة المدنية كانت واضحة منذ البداية، وإن تكررت اليوم بوضوح كامل، وهي أن الجيش ليس ضمن اللعبة السياسية ولا ينخرط فيها، وأن الجيش سيحمي مسار الانتخابات والناخبين ومراكز الانتخاب، ولن يمارس الانقلاب العسكري.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة