أرنولف رينر وألوان الحلم

سعى سيجموند فرويد في كتابه الشهير "عالم الأحلام" إلى أن يجد صياغة علمية تحلل للعلاقة بين الأحلام وأصحابها، وهنا في أعمال الفنان النمساوي أرنولف رينر نكتشف بُعداً آخر للحلم
سعى سيجموند فرويد في كتابه الشهير "عالم الأحلام" إلى أن يجد صياغة علمية تحلل العلاقة بين الأحلام وأصحابها، وهنا في أعمال الفنان النمساوي أرنولف رينر نكتشف بُعداً آخر للحلم حيث تأخذ اليقظة دورها بابتكار تقنيات تركز على اللاوعي وتشي به في منتج فني. هذا ما يقدمه بيت السركال في قلب الشارقة حيث تعرض مجموعة من أعمال الفنان في معرض "نحو تورية اللون" الذي يستمر بداية نوفمبر 2016.
في هذا المعرض الاستعادي الثري يمكن للجمهور الاقتراب من أعمال الفنان الشهير أرنولف رنير حيث تعرض مجموعة مختارة من أعمل الفنان التي تم إنتاجها من منتصف القرن الماضي حتى مطلع القرن الحالي. ويقدم معرض "نحو تورية اللون" تجارب الفنان "ذاتي التعلم" المختلفة والمتنوعة، فنجد فنون الفيديو بالإضافة إلى اللوحات والأعمال المكونة من المواد المختلطة "ميكس ميديا".
الفنان التشكيلي إسماعيل الرفاعي استشاري التحرير والمحتوى بمؤسسة الشارقة للفنون، منظمة المعرض، يقول لـ"العين" إن "المعرض من تقييم سمو الشيخة حور القاسمي بنت سلطان القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، ويأتي كجزء من سلسلة العروض التي تقيمها المؤسسة والتي تبلغ حاليا 10 معارض لفنانين إقليميين ودوليين، وتغطي هذه المعارض تجارب فنية مختلفة ومتنوعة من الأنماط الفنية". ويضيف الرفاعي "يعد معرض "تورية اللون" للفنان النمساوي أرنولد رنير فرصة حقيقة للتعرف على مسيرة هذا الفنان الكبير الذي ولد عام 1929. وقد تم اختيار هذا الفنان نظرا لقيمة تجربته، وما تتمتع به أعماله من محتوى فكري وفني وجمالي يهم الجمهور المحلي".
يضم المعرض باكورة أعمال الفنان من لوحات ومنحوتات و"فيديو أرت" ووثائق أرشيفية تعرض لأول مرة في الشرق الأوسط وتتضمن سلسلتين من إنتاجه الفني يأتيان تحت اسم "اللوحات العمياء" و"نحو تورية اللون"، ليكتشف الزائر مجموعة كبيرة من الإبداع الفني الفطري الذي أبدعه رينر على مدار مسيرته الفنية المديدة منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث شارك أرنولف في تأسيس جماعة "هوندس جروب" في النمسا مع مجموعة من كبار الفنانين في مطلع الخمسينيات متأثرة بحركات التعبيرية التجريدية والسريالية والفن الحركي، وهو ما نجده جليًّا في هذا المعرض الاستعادي.
تعتمد كثير من الأعمال المعروضة في "تورية اللون" على قطع فنية منجزة في الأصل لفنانين آخرين، وتم إحداث تأثيرات الفنان على لوحات وصور فوتوغرافية مسبقة التنفيذ، لتتوارى الأعمال الفنية الأصلية خلف رؤية الفنان وتقنياته اللونية التي اعتمد فيها على الأداء الجسدي من خلال الرسم بالأصابع واليد والقدم والرسم مغمض العينين.. ليأخذ العمل بعدًا مختلفًا يجسد لمفاهيمية الرسالة الكامنة في هذا النوع من الفن.
موضوعات رينر تنوعت في محتواها وتأثرت كثيرا بنظريات "فرويد" وسبر أغوار النفس البشرية، وهو ما يعكس هوس الفنان بمجال الصحة النفسية، حيث وجد غايته في مدارس السريالية والإيمائية للغوص في مكامن الذات والوصول إلى اللاوعي وتأثيره على السلوك من خلال استخدام الجسد في الفن.
الألوان تمثل مشهدية الحلم في أعمال أرنولف، وبين بياض المشهد وعتمة الرؤية تقع مساحات الفنان الرمادية لتبرز الألوان جلية واضحة وسط تلك الحدية اللونية، ويبرز اللون الأحمر في عدد من أعمال رينر وهو لون قوي وجريء يمكن ترجمته بعدة صياغات قد تخضع إلى تجريده من كل المعاني، أو تحميله بمضامين الدم والقهر والعنف كما في عمل "نشيطو فيينا" حيث تشكلت طبقات اللون الأحمر الكثيف لإظهار مدى فداحة الأحداث المؤلمة للحرب العالمية الثانية.
لقد ركز الفنان كذلك على الموضوعات الدينية حيث كان شغوفا بالممارسات الدينية، وهو ما دفعه لإنجاز مجموعة كبيرة من لوحات الشهيرة التي أخذت شكل الصليب لتسليط الضوء على الطقوس العقائدية ومسائل التضحية بمفهوم ورؤية فنية تجسد محاولات فهم أرنولف للذات البشرية وتعلقها بالميثولوجيا الدينية في الإثنيات المختلفة، وهو ما تم ترجمته في مجموعة الأعمال التي تتكون من أقنعة بدائية قبائلية استخدمها الفنان كوحدة لأعماله بعدما قام بوضع تأثيراته اللونية عليها في لوحات خرجت من إطار البعدين وتحليقها في البعد الثالث.
وبشكل عام نجد أن العاطفة الخام وإطلاق الطاقات الكامنة والحس الغريزي العفوي هي السمة الأميز لأعمال الفنان.. سمة أخذت من اللون وتوريته سبيلا ليتضح ما وراء في أعمال أقرب للحلم.