كتاب جديد يبرز انتقادات عباس العقاد لمدارس الفن الحديثة
الكتاب يثبت أثر كتابات "العقاد" على الممارسات الفنية طوال أكثر من نصف قرن، وكذلك تكشف رفضه للتجديد والاتجاهات الطليعية.
صدر مؤخراً عن الهيئة العامة للكتاب في القاهرة، كتاب "مقالات عباس محمود العقاد النادرة عن الفنون الجميلة"، من جمع وتحقيق علاء عبدالحميد.
ويثبت الكتاب أثر كتابات "العقاد" على الممارسات الفنية طوال أكثر من نصف قرن، وكذلك تكشف رفضه للتجديد والاتجاهات الطليعية التي حاولت التمرد على المعايير السائدة.
وهاجم "العقاد" باستمرار الاتجاهات الفنية الحديثة في عصره، وخص بالهجوم الدادية والسريالية والتجريدية، فاعتاد أن يصفها في مقالات عديدة بالفنون "الخنفشارية" وبالموضات والتقليعات، وقال إنها من أعراض هوس التقليد الأعمى لانحرافات الحضارة الغربية الحديثة.
كما أنه هاجم وانتقد بشدة العديد من الفنانين المعاصرين له من الأجانب والمصريين، فانتقد بشدة فناني الحركة السريالية في مصر ومفكريها في مناسبات عديدة، وانتقد نظريات فرويد عن العقل الباطن، والتي اعتمد عليها السرياليون في إنتاجهم الفني.
وجمع علاء عبدالحميد، وهو قاص وفنان تشكيلي درس في مصر وسويسرا، المقالات النادرة الواردة في الكتاب، وتفرغ نحو 3 أعوام لجمع المادة.
ويرى "عبدالحميد" أن محاولته تجميع كتابات العقاد (1889- 1964) عن الفنون الجميلة يفتح المجال أمام دراستها وتحليلها لاستقراء تاريخ المشهد الفني العربي منذ بواكيره، ومحاولة فهم علاقة هذا التاريخ بشكل ممارسات الفن المعاصر الآن.
والمعروف أنه عند نشأة الفن التشكيلي العربي الحديث، أخذ مجموعة من الكتاب على عاتقهم مهمة الكتابة النقدية عنه، قبل أن تظهر حركة نقدية متخصصة في مجال الفنون الجميلة، مثل إبراهيم عبدالقادر المازني، ومي زيادة ومحمد حسين هيكل، وعباس محمود العقاد، ومحمود عزمي، وتوفيق حبيب الملقب بـ"الصحفي العجوز"، ومحمد فهمي، وسلامة موسى، وأحمد يوسف أحمد وآخرون.
كما سبقهم في ذلك سليم حداد، صاحب أول مقال نقدي في مجلة المقتطف بعدد مارس/ آذار 1897، وفقاً لما تم ذكره في كتاب "80 سنة من الفن".
ويرى "عبدالحميد" أن "العقاد" كان أكثر كتاب جيله إنتاجاً، واتسعت كتاباته لمجالات كثيرة، جعلت رحلته الفكرية تتسم بالموسوعية.
وكتب "العقاد" في الأدب، والشعر، والنقد، والسياسة، والدين، والتاريخ، والفلسفة، والمرأة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الجمال، لكن كتاباته عن الفنون الجميلة ظلت متناثرة وغير مُجَمَعة، ومنها الكثير النادر الذي لم تعد طباعته مرة أخرى.
واعتمد الباحث في جمع وتصنيف مقالات "العقاد" في هذا المجال على أرشيفات متعددة، وحصر وجمع 90 مقالاً للعقاد عن الفنون الجميلة، و10 مقاطع من 7 كتب له تحدث فيها عن الفنون الجميلة.
ولصعوبة نشر كل هذه المادة الضخمة في كتاب واحد، اختار "عبدالحميد" المقالات النادرة فقط من بين الـ90 مقالة، لنشرها في هذا الكتاب.
ويبدأ الكتاب بدراسة عن "العقاد" وعلاقته بالفنون الجميلة، ثم قسمين كبيرين، أولهما يحتوي على 28 مقالًا منهم 23 مقالًا لم يعد نشرها أو إتاحتها منذ تواريخ نشرها الأول، مرتبة من الأقدم إلى الأحدث.
والثاني يحتوى على 6 مقالات لكتاب آخرين، كانوا معاصرين لـ"العقاد"، وكتبوا هذه المقالات كتعليق على فلسفاته الجمالية، ومنهم من دخل معه في سجالات فكرية حول الفن.
ووفقا للكتاب؛ دافع "العقاد" كثيراً عن الفنون الجميلة وضرورتها في المجتمع وقت أن كانت وليدة، فقد بدأ عمله في الصحافة عام 1907 وبعدها بعامٍ واحد فقط بالتحديد في 12 مايو/ أيار 1908، تم افتتاح مدرسة الفنون الجميلة المصرية بواسطة الأمير يوسف كامل، وكان مقرها بالعقار رقم 100 بشارع درب الجماميز بحي الحلمية بالقاهرة.
وكانت هنالك بعض الآراء في ذلك الوقت تتساءل عن أهمية الفنون الجميلة، أو إذا كانت ضرورية أم أنها من الرفاهيات، فانطلق العقاد لسنوات طويلة يدافع عن ضرورة الفن وأهميته في مواضع عديدة، أبرزها مقال يتضمنه الكتاب حول "تمثال النهضة" للنحات محمود مختار.
ويكشف الكتاب أن "العقاد" انتقد التمثال في مقالته بجريدة "الأفكار" بتاريخ 5 أغسطس/أب 1922، زاعماً أن فكرة التمثال مسروقة، وعندما تم تنصيب التمثال ميدانياً عام 1928 كتب مقالاً آخر في جريدة "البلاغ" الأسبوعي بتاريخ 25 مايو/أيار 1928 يثني فيه على التمثال شاكراً محمود مختار على الالتفات لملاحظاته التي ذكرها في مقاله القديم.
وجاءت كتابات "العقاد" عن الفنون بمختلف مجالاتها من منطلق قاعدة تتمثل فى مفهومه عن الجمال، والذي كان يسعى أن يجعل منه مفهوماً نموذجياً يشمل جميع الفنون، ويكون معيار الحكم عليها ونقدها.
ومن اللافت للنظر أنه اتخذ موقفاً سلبياً من تأثيرات الحداثة الأوروبية في المشهد الفني المصري في ثلاثينيات القرن الـ20، ولم يتقبلها، بل وبدأ في مهاجمة التيارات الفنية الحديثة.
وكان رفضه ينبثق من عدة أسباب، أولها هو الوازع الوطني القومي المقاوم للاستعمار، والذي كان سائداً وقتها، والإصرار على "النزعة القومية" في كل شيء وإلا يتنافى عنه صفة الأصالة.
وأيضاً جاءت الحداثة لتتنافى مع وجهات نظر "العقاد" عن الجمال، فكانت بالنسبة له أعمال يحطم فيها الفنانون القواعد المنظمة للجمال.
ومع تطور تلك التأثيرات ظهر مصطلح الفنون التشكيلية فى مصر فى منتصف الخمسينيات، ليختص بالدلالة على الرسم والنحت والتصوير والفنون التطبيقية، ولم يتوافق هذا التطور مع تصورات ومفاهيم "العقاد" الشمولية في فلسفة الجمال.
وبحسب علاء عبدالحميد، فإن أغلب هذه التطورات جاءت نتيجة الممارسة الفنية للفنانين الطليعيين في ذلك الوقت، أمثال فناني الحركة السريالية في مصر، فظهر ما نستطيع أن نطلق عليه إشكالية العلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة، فالممارسة هى نوع من أنواع السلوك الذى ينشأ من داخل العملية الإنتاجية، أما النظرية فوضعها يتم وفقاً لتأمل عقلي دون خوض عملي.
كما تظهر أيضاً تأثيرات "العقاد" على المشهد الفني المصري، من خلال مناقشاته واقتراحاته في البرلمان المصرى وقت أن كان عضواً به.
فقد اعتاد "العقاد" مناقشة قضايا مثل تطوير بعثات الفنانين للخارج وإنشاء متحف للفنون الجميلة، وقضايا بيع اللوحات الفنية.
كما ارتبط "العقاد" بصداقات مع الفنانين في عصره، من أبرزهم محمود مختار، ومحمد حسن، وشعبان زكي، وأحمد صبري، وصلاح طاهر، واختلف مع الأخير حول مفهوم الفن، وخاصة في أواخر الخمسينيات، عندما ترك صلاح طاهر الاتجاه الأكاديمي في التصوير واتجه إلى التجريد.
ويقدم الكتاب مثالاً آخر على ممارسات "العقاد" الرافضة للاتجاهات الجديدة، وأنه عندما تولى رئاسة لجنة التفرغ في وزارة الثقافة، والتي تعطي منح التفرغ للفنانين لتساعدهم على إنتاج أعاملهم الفنية، رفض عام 1961 تجديد المنحة للفنانين رمسيس يونان وآدم حنين وتحية حليم وراتب صديق، وهدد بالاستقالة، في انعكاس واضح لرفضه اتجاهات الفن الحديث، والذي كان بديله عنده استلهام الماضي من خلال الفن الفرعوني لإنتاج فن مصري قومي.