بالصور .. من نفرتيتي إلى العقاد استنفار لوقف مسوخ التماثيل
لرد الاعتبار للتاريخ ولفَن النحت المصري، التنسيق الحضاري يقوم بمشروع لمراجعة وتجميل 15 ميدانًا لوقف تشويه تماثيل العظماء في مصر.
ربما براعة المصريين القدماء في فن النحت، هي أبرز ما ساهم في الحفاظ على الحضارة الفرعونية بذات الشكل والمضمون منذ أكثر من 7 آلاف سنة؛ ففن النحت -كما يصفه المؤرخون- هو حلقة الوصل بين الحضارات عبر التاريخ، حيث من الصعب أن تجد شيئًا من تفاصيل حياة المصري القديم لم يعبر عنه الفراعنة بتمثال.
في الآونة الأخيرة وبطبيعة احتفاء مصر برموزها، اتخذت بعض الميادين بالمدن المصرية تماثيل للشخصيات البارزة تخليدًا لسيرة أصحابها وإحياءً لذكرى ارتباطها بالمكان وتأثيرها فيه، غير أن العامة من الشعب استفاقوا على صور لم يألفوها من قبل وتشوهات بالتماثيل المنحوتة لا تستدعي سوى السخرية والحسرة على ما آلت إليه أنامل المصريين الذهبية وخيالاتهم المبدعة.
في شهر يوليو من العام الماضي فوجئ مواطنون في محافظة المنيا بتمثال للملكة "نفرتيتي" بمدخل مدينة سمالوط، يحمل تشوهات وتفاصيل شكلية لا تشبه الصورة المعروفة للتمثال الأصلي، مما استدعى حالة من الجدل والسخرية، وثار الرأي العام المصري على المسؤولين عن هذه الواقعة حتى تدخلت الحكومة المصرية وتم تكليف فنان تشكيلي بإعادة نحت التمثال واستبداله بنظيره المشوه.
ويروي الدكتور جمال صدقي، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة وصاحب تمثال "نفرتيتي "بعد التعديل"، تجربته لـ"العين" قائلًا: إن مسؤولين بمحافظة المنيا المصرية أسندوا لمجموعة من غير المتخصصين مهمة نحت تمثال للملكة نفرتيتي لوضعه بمدخل مدينة "سمالوط" فصنعوا تمثالًا مشوهًا أساء للتاريخ وللحضارة ولاقى انتقادات محلية وعالمية حتى إن ألمانيا التي تمتلك النسخة الأصلية من التمثال الفرعوني قالت إن مصر غير مهتمة بتمثال الملكة نفرتيتي باستنساخ تمثال مشوه لها.
وأضاف "صدقي" أنه حينها عرض على رئيس مدينة سمالوط استنساخ تمثال آخر بدون أجر إلا أنه رفض وقتها، وأحيل الأمر برمته للمحافظ السابق "صلاح زيادة" الذي شكل لجنة لاختيار من يتولى هذه المهمة لرد الاعتبار للتاريخ ولفن النحت المصري.
وتابع صدقي: كنت أحد المتقدمين لمباشرة هذه المهمة، وتمكنت من اقتناص الفرصة وأسندت لي مسئولية نحت التمثال الجديد بالإضافة إلى القاعدة المحيطة له، وعلى الفور شرعت في عمل دراسة كاملة شملت المواد الخام الملائمة وحجم القاعدة والأبعاد الهندسية للميدان، وبدأت في العمل بإشراف من الوحدة الإنتاجية بكلية الفنون الجميلة، حتى خرج التمثال بشكله النهائي في صورة مشرفة لاقت استحسان النقاد والجمهور، وعلى الفور تم وضعه مكان التمثال القديم المشوه.
وعن مدة العمل، قال الدكتور جمال صدقي، إنه استغرق شهرين من مدة التعاقد على نحت التمثال وحتى يوم الافتتاح الرسمي، موضحًا أنه لم يتلق أجرًا نظير عمله باستثناء سعر الخامات المستخدمة فقط والتي بلغت 9 آلاف جنيه مصري فقط.
وأوضح "صدقي" أن التمثال مصنوع من خامة الفايبرجلاس المقاومة لشدة الحرارة وعوادم السيارات والأتربة وذلك بعد دراسة وافية عن مدى ملاءمة المادة للعوامل الجوية، كما أنه مكسي بحجر الجرانيت الأحمر الأسواني.
ومن المنيا بشمال صعيد مصر، إلى الجنوب في أسوان حيث تكررت الأزمة في شهر نوفمبر من عام 2015 حين أزيح الستار عن تمثال يفترض أنه للأديب المصري الراحل عباس العقاد غير أنه لم يحمل شيئًا من صفاته الشكلية المعروفة وبدى وكأنه مسخ لشخصية غير معروفة.
وعن هذه الواقعة قال النحات المصري شريف عبد البديع عضو نقابة الفنانين التشكيليين، إنه عاصر الفنان فاروق إبراهيم حين كان يعمل على إخراج التمثال الأصلي لـ"عباس العقاد" واستخدم في ذلك قالب طين ونوعًا من أحجار البوليستر، وهو ما عرضه للتآكل سريعًا، حتى رأى المسؤولون أن يحتفظوا بالتمثال الأصلي ويصنعوا تمثالًا آخر من البرونز بديلًا له وكلفوا الفنان التشكيلي عبد العزيز صعب بهذه المهمة والذي أخرج بدوره تمثالًا يليق بصاحبه وسيرته .
وأضاف في تصريحات لـ"العين": المشكلة ظهرت مع قرار محافظ أسوان بترميم التمثال حيث أسند التكليف إلى غير المختصين الذين أضافوا له ألوانًا إضافية وقطعوا أجزاءً من الرقبة حتى ظهر بذلك الشكل المشوه الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حملة قمنا بها لتغيير وضع التمثال.
وانتقد "عبد البديع" أيضًا التغيرات التي طرأت على تمثال الفنان "محمد عبد الوهاب" في باب الشعرية بقلب القاهرة، والألوان المضافة له والتي قللت من قيمته المعروفة، وقال إن الأمر تكرر في مدينة الإسكندرية بمنطقة محطة الرمل حيث انتشرت بورتريهات حجرية لشخصيات من المدينة كالمخرج يوسف شاهين والفنان سيد درويش تحمل تشوهات كبيرة، وصفها بالكارثية.
أما النحات المصري المعروف الدكتور "عصام درويش" أستاذ النحت بكلية التربية الفنية، فيرى أن الظاهرة كشفت للمجتمع جانبًا إيجابيًّا يتمثل في إصرار المسؤولين الحكوميين على تخليد تلك الرموز الراحلة من خلال التماثيل، وأوضح أنه من المستحسن أن توجه رسالة بشرية رمزية غير ناطقة عبر تمثال أثري للجمهور، وهو أمر مهم، وقال درويش لبوابة "العين" الإخبارية، إن الجانب السيئ يتمثل في توسيد الأمر لغير أهله، فيخرج بهذه النتيجة من التشوه والمسوخ، فقطاع الفنون التشكيلية هو الأحرى بصناعة هذه التماثيل، ومركز التنسيق الحضري هو المنوط به الإشراف عليها بالميادين.
ومن جانبه قال "محمد أبو سعدة" رئيس جهاز التنسيق الحضري، إنهم بدأوا في مواجهة هذه الظاهرة المرفوضة بوضع اشتراطات وتوزيعها على مسؤولي الأقاليم، بحيث لا يتم رفع أي تمثال إلا بعد استيفاء الشروط الموضوعة من قبل أساتذة العمارة والنحت ، وأضاف أنهم بدأوا بالفعل في مبادرة لرفع كل هذه التماثيل المشوهة والمسيئة للحضارة.
وأضاف أبو سعدة لـ"العين" أنهم بصدد إنشاء مشروع مع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية لمراجعة وتجميل 15 ميدانًا بمدينتي القاهرة والجيزة، عن طريق فرق عمل تضم متخصصين من مهندسي العمارة والتخطيط، كما تم ترشيح 15 نحاتًا من مهرة فناني النحت في مصر لإخراج نماذج يحتذى بها.
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز