بالفيديو.. طبيب مصري يحول أعواد الثقاب لتحف فنية
الخامة البسيطة الدقيقة لأعواد الثقاب، جذبت أحمد حسن، الطبيب البشري، منذ أكثر من 30 عاماً.
أعواد خشبية صغيرة ورقائق ورق مضغوط، لم يتخيل أحد أو صانعها الكيميائي الإنجليزي، جون ووكر، أن يصبح لـ"أعواد الثقاب" استخدامات أخرى، وتتحول لفن من الفنون، الذي يجسد ويعبر عن حالة جمالية راقية.
فالخامة البسيطة الدقيقة لأعواد الثقاب، جذبت أحمد حسن، الطبيب البشري، منذ أكثر من 30 عاماً، ليستطيع بكل دقة وصبر أن يحول هذه القطع والوحدات الصغيرة غير المرنة، إلى مجسمات تحكي عن أشهر المباني ومعالم القاهرة القديمة في جميع العصور المختلفة.
بدأ الأمر مع الفنان أحمد حسن، كممارسة هواية فقط، فمنذ الصغر كان اهتمامه الأول الرسم في المراحل التعليمية المختلفة، وتطورت الموهبة لرسم وتصميم تابلوهات والعمل بفن الأركت، ليبدأ بعدها استخدام أعواد الثقاب في عمل مجسمات لأماكن ومعالم حقيقة، وصفها الفنان المصري بـ الأعمال الصغيرة البسيطة، وأصر على الاحتفاظ بها بمنزله كونها النواة الأولى للانطلاق نحو الإبداع والفن بمجسمات أكثر دقة وفن.
العودة للإبداع.. السر الخامة
ويسرد حسن المراحل المختلفة التي مرت بها أعماله المكونة من أعواد الثقاب، قائلًا "مر فن تصميم المجسمات بمرحلتين، فكانت قصة مشواري مع أعواد الثقاب منذ ثمانينيات القرن الماضي، ليتوقف العمل فترة طويلة للانشغال بالدراسة والعمل بمجال الطب".
وعن العودة مرة أخرى، يقول حسن في حديثة مع بوابة "العين" الإخبارية، إنه حاول كثيراً الاستعانة بخامة أخرى أكثر مرونة وأقل تعقيداً، ولكن عشقه الجم للخامة، مكنه خلال الخمس سنوات الماضية، من استعادة الحالة الإبداعية مستخدماً أعواد الثقاب لينتج عشرات القطع الفنية، التي جسدت معالم لمناطق وأماكن أثرية قديمة.
وكان مسجد محمد علي، هو المجسم الأول الذي عاد به لفنه وعشقه الأول، وبدأه بعد مرحلة التوقف التي دامت لسنوات، ذاكراً بساطة الخامة ودقتها وفقدانها للمرونة، تطيل من مدة تنفيذ التصميم، خاصة أن قباب المسجد تحتاج لتعامل مختلف ودقيق مع الخامة، لإخراج مجسم بمقياس صحيح أقرب للواقع.
الأفكار.. الخامة والأدوات
"أي صورة بشوفها جميلة، وأقدر أنفذها بعملها" هذه العبارة تعد القاعدة الأولى لـ"أحمد حسن"، في اختياره لأفكار المجسمات، فالتأمل والرؤية البصرية لمباني ومعالم القاهرة القديمة باختلاف عصورها الإسلامية، والمسيحية، واليونانية، والرومانية، والمباني التي تحتوي على زخرفة وتفاصيل أكثر تخلق ارتباطاً مباشراً بينه وبين المجسم من قبل عملية التنفيذ. ويقول "بعد ما أحدد الصورة الجاذبة لي، بدور على المعلومات ومقياس الرسم الدقيقة للمعلم نفسه، أبدأ في تجهيز الخامات التي تعتمد بشكل أساسي على أعواد الكبريت، وبعض الورق الملون أو الأقمشة التي تدخل في تفاصيل المجسم من أبواب ونوافذ، ومادة لاصقة، فضلًا عن وجود أدوات الرسم الأساسية".
ويعود حسن بالذاكرة إلى 4 سنوات، ليفصح عن قصة تصميم مجسم لـقصر المنتزه، الواقع بمدينة الإسكندرية شمال مصر، فطوال طفولته كان يتأمل هذا المبنى لإعجابه بتفاصيل الزخرفة والألوان المتداخلة في البناء، ولم يكن يعرف أن هذا المعلم سيصبح ضمن أعماله الفنية المصنوعة من أعواد الثقاب.
مراحل التصميم.. اتفاق مكتوب
ونظراً لأن الخامة تتطلب دقة وتركيز، فيصبح العمل لساعات طويلة أمراً صعب تحقيقه، فيعمل الفنان أحمد حسن لمدة ساعتين متواصلتين، ولكن يحرص على استكمال كل قطعة فنية بشكل منتظم، قائلًا "لا أستطيع ترك قطعة فنية والانتقال للعمل في أخرى، فرغبة استكمال وإنهاء كل مرحلة بداية من اختيار المبنى، وتجميع المعلومات المتوافرة، ومروراً بوضع مقياس للرسم وتقسيم الوحدات ووصولاً لمرحلة التجميع في شكل نهائي للمجسم"تجعله يصف هذه المراحل بـ الاتفاق المكتوب بينه وبين المجسمات وأعواد الثقاب".
المعلومات والتكنولوجيا.. في مواجهة الفن
إيمانه بقيمة الفن اليدوي وضرورة الحفاظ عليه، جعله يتمسك ويصر على استكمال مجسمات أعواد الثقاب بالرغم من إحلال التكنولوجيا المتمثلة في تطبيقات الرسم والبرامج المتطورة مكان العمل اليدوي والفنان، والتي باتت عائقاً كبيراً لاستمرار مثل هذه الفنون.
وفي الوقت نفسه يواجه فن أعواد الثقاب عائقاً ليس سهلاً بالمرة، فتعد المعلومات ومصادرها عن الأماكن والمواقع الأثرية عنصراً رئيسياً وهاماً من أجل استكمال فكرة التصميم، فبعد انجذاب الفنان المصري حسن إلى فكرة مبنى محدد، تواجه مشكلة توافر المعلومات ومقياس الرسم المضبوطة، لإخراج العمل بشكل أقرب للواقع.
المعرض الأول.. نجاح وتحدٍ
بهدف التوثيق الشخصي، قام أحمد حسن بإنشاء صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لنشر أعماله الفنية، لتنهال التعليقات وردود الفعل الإيجابية التي أثنت على الفكرة والتنفيذ والمجهود المبذول في استخدام أعواد الثقاب، وبابتسامة هادئة يخبرنا بقصة إقامة أول معرض فني له، بقوله "بعد تجميع وحدات ومجسمات مختلفة، ورؤية ردود فعل الأقارب والأصدقاء والأسرة، بدأت التفكير في سؤال الفنانين التشكيليين في الأعمال".
وبالرغم من رفض بعض الأماكن الثقافية لاستضافة المعرض، وكونه شخصاً خارج الوسط الفني وأسرة الفن التشكيلي، إلا أن الصدفة لعبت دوراً هاماً، ليقام أول معرض فني من أعواد الثقاب في دار الأوبرا المصرية، وبنبرة مليئة بالسعادة، يقول "كان لدي تخوف كبير من إقامة أول معرض، وقصر مدة التحضير، ولكن وجود زوجتي وبناتي بجواري، ساعدني كثيراً في إنهاء كل التجهيزات والتنظيمات"، لتحتضن قاعة نقابة الفن التشكيلي بدار الأوبرا معرضه الأول الذي نال تقدير وشكر كبار الفنانين التشكيليين أثناء زيارتهم له.
ويعد نجاح المعرض، يشعر بتحدٍ بينه وبين الأفكار والمجسمات، ليقرر أن يبدأ مرحلة جديدة من الأفكار واختيار المجسمات بنفس الخامة الدقيقة أعواد الثقاب.
البيع ليس هدفا
"القطعة تحدثني".. بهذه العبارة فسر أحمد حسن رفضه لبيع المعروضات ومجسمات أعواد الثقاب، شارحاً أن الخطوة التي توقعها الكثيرون هي مرحلة البيع، ولكن الارتباط القوي بين الفنان والخامة والمجسمات، جعله يرفض مبدأ بيع الأعمال الفنية، واحتفاظ شخص واحد بالمجسم، حالماً بعرض فنون أعواد الثقاب في معرض دائم أو متحف مفتوح للجميع.