في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات والفعاليات حول العالم، يُعيد كتاب “فن التجمع: كيف نلتقي ولماذا يهم” للكاتبة بريا باركر تعريف مفهوم اللقاءات، وينقلها من كونها مناسبات بروتوكولية إلى مساحات مصممة بإتقان لصناعة التغيير والتأثير.
يتناول الكتاب بعمق فكرة أن التجمع الناجح لا يُقاس بعدد الحضور أو حجم التغطية الإعلامية، بل بوضوح غايته، وصدق نواياه، وقيمة ما يتركه بعد انفضاضه.
تذهب الكاتبة أبعد من مجرد نصائح تنظيمية، لتدعو إلى كسر الأنماط النمطية في اللقاءات، والانطلاق من نية حقيقية تبدأ بالسؤال: لماذا نلتقي؟ فكل لقاء – مهما كان حجمه – هو فرصة لبناء معرفة، تحفيز حوار، أو إطلاق مبادرة ذات أثر.
تتجسد هذه المبادئ عمليًا في التجربة الإماراتية الرائدة، حيث باتت دولة الإمارات منصة عالمية لصناعة الفعاليات ذات البعد الفكري والاستراتيجي. لم تعد الفعاليات التي تستضيفها الدولة مجرد تجمعات دولية، بل تحوّلت إلى محطات محورية في تشكيل الخطاب العالمي، وصياغة التوجهات المستقبلية في مختلف القطاعات.
القمة العالمية للحكومات مثال واضح على هذا التوجه، إذ أصبحت منذ انطلاقها ملتقى لقادة وصناع قرار ومفكرين من مختلف دول العالم، يناقشون من خلالها مستقبل السياسات والخدمات العامة والابتكار الحكومي. ويُعد منتدى الاتصال الحكومي بالشارقة نموذجًا رائدًا في تطوير مفاهيم التواصل المؤسسي وبناء الثقة بين الجمهور والجهات الرسمية، مستندًا إلى حوارات حقيقية وتجارب تفاعلية يتجاوز صداها حدود الدولة.
وفي المجال الإعلامي، جاءت قمة الإعلام العربي في دبي لتعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول صناعة الإعلام في المنطقة، وتعزز النقاش حول المهنية والمصداقية في ظل الثورة الرقمية. أما الكونغرس العالمي للإعلام، فقد رسّخ مكانة الإمارات كلاعب محوري في صياغة واستشراف مستقبل الإعلام العالمي، من خلال نقاشات عميقة وأوراق بحثية متعددة اللغات، نُشرت عالميًا وتداولتها مراكز أبحاث وجامعات مرموقة، ما منح الفعالية بُعدًا معرفيًا واستراتيجيًا استثنائيًا.
ولا يمكن تجاهل ما حققته الدولة في مجالات الأمن والتكنولوجيا من خلال تنظيم معرض الدفاع الدولي “إيدكس”، الذي يُعد منصة دولية متقدمة لمناقشة الحلول الدفاعية والتقنيات المستقبلية. كما شكل مؤتمر الأطراف “COP28” الذي استضافته الإمارات في عام 2023 نقطة تحول في مسار العمل المناخي العالمي، حيث جمعت الدولة العالم في لحظة حاسمة لصياغة التزامات بيئية ملموسة، في أجواء من الحوار المفتوح والعمل الجماعي الفعّال.
كل هذه النماذج تعكس وعيًا متقدمًا بأن اللقاءات ليست مناسبات عابرة، بل أدوات حقيقية لبناء المكانة الدولية، وتفعيل القوة الناعمة، وصياغة مستقبل أكثر استدامة. من هذا المنطلق، فإنه من المهم أن نُعلّم الأجيال القادمة كيف يُصمم اللقاء بشكل استراتيجي، وكيف يُدار الحوار بشكل يحقق نتائج ملموسة، وكيف يكون لكل فعالية غاية تتجاوز اليوم والتاريخ والمكان.
الإمارات تمارس هذا الفن ببراعة، وتُجسد ما تطرحه باركر من مفاهيم في كل تجربة تُطلقها، مؤكدة أن فن التجمع ليس ترفًا تنظيميًا، بل هو أداة لبناء الأثر، وتشكيل الوعي، وصناعة المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة