هل فقد النفوذ الإيراني زخمه؟ سؤال قد يبدو للوهلة الأولى أن الإجابة نعم، لكن إيران كانت دائمًا تمتلك أوراقًا تمكّنها من لعب دور أكبر في المنطقة، حتى في ظل العقوبات والحصار المفروض، وما بعد السابع من أكتوبر.
تلعب إيران على وتر الأيديولوجية المذهبية، لذا كان ذلك التوسع في العراق وسوريا ولبنان. في الوقت الذي جمعها بحماس منطلق فكري، في ظل تقارب أدبيات النظام مع فكر تنظيم الإخوان.
مع خفوت الهلال الشيعي، بإقصاء الأسد، وتقليص نفوذ حزب الله في لبنان، وحضور شيء من التعقّل لدى الفصائل العراقية التي استوعبت دروس حلفائها، ينظر كثيرون إلى أوراق إيران التي قد تلعب بها فيما هو قادم.
تتجه الأنظار نحو السودان، والاقتتال فيه، والتقارير التي تتحدث عن دور إيراني في دعم الجيش السوداني. قد لا تتحرك إيران من منطلق أيديولوجي في هذه البؤرة، مع العلم أن حملات التشيّع قد لعبت دورًا كبيرًا في السودان في فترة عمر البشير، وقد تحدّث عنها «أحمد الكاتب» والذي نظر إليه كثيرون على أنه من أدخل التشيّع إلى السودان، في الوقت الذي تحدّث مؤخرًا عن عدم وجود دليل يثبت وجود المهدي المنتظر، وهذا ما يعطّل أساسًا ما تم التبشير به في الداخل السوداني، لكنه ليس محور مقالنا.
لربما تتخذ إيران منحى آخر بعد تقلص نفوذ ما هو مذهبي، متجهةً هذه المرة لما هو فكري، وأقصد هنا نفوذ الإخوان في السودان.
ففي الوقت الذي تراجع فيه مشروع محور الممانعة من جهة، لن تتنازل إيران عن نفوذها لمجرد فقدان نغمة المذهبية، بل ستنظر إلى من يوافقها فكريًا في أدبياته، وقد تجد ضالتها في إخوان السودان كمشروع بديل.
فعودة العلاقات بين إيران والسودان في يونيو/حزيران 2024، في الوقت الذي يحقق فيه الجيش نوعًا من الانتصارات، ومن خلال تصريحات قادة الجيش، ينظر البعض إلى أن البرهان والإخوان من الوارد أن يتحالفوا مع الشيطان للبقاء في السلطة، حتى في ظل أن هذا التحالف قد يسوده نوعٌ من القيود، خشية تقويض موقف الجيش تجاه الولايات المتحدة وبعض الدول العربية.
ودائمًا ما كانت إيران تتواجد في الملفات التي تغيب عنها إرادة سياسية حقيقية، والمقصود هنا إرادة العرب والمجتمع الدولي.
ومن يدري؟ هل تلعب دورًا أكبر على جانب القرن الأفريقي، في المجتمع الصومالي المفكك بمحاربة تنظيم الشباب، والذي تحدّثت تقارير عن دعم حوثي قُدِّم له مسبقًا؟ فالتوجه نحو بوابة القرن الأفريقي، من الصومال ثم السودان، هو رغبة إيرانية قديمة في ظل ما تمارسه من عنجهية في هرمز، وبحر العرب، وخليج عدن، وباب المندب كذلك، والخارطة تسير بنا نحو البحر الأحمر.
إن الملف النووي يلعب دورًا حاسمًا في تمدد إيران إقليميًا، فالتوقيع عليه بحاجة إلى مكاسب لكل الأطراف، لا الولايات المتحدة، ولا إيران فقط.
فالولايات المتحدة تدرك، بعد توقيعها صفقات تريليونية مع الخليج، أن أمن الخليج واستدامة استقراره مبنيٌّ على كفّ إيران عن محاولاتها لزعزعة المنطقة. لذا فهي تحاول، من خلال طاولة المفاوضات، أن تحقق أكبر مكسبٍ لها على حساب إيران، في الوقت الذي تفاوض فيه إيران وتتمسك بمسألة تخصيب اليورانيوم. فخسارة إيران لعنصر التخصيب قد لا تثير الشارع المعارض لها من الداخل، بل حتى المتشددين داخل النظام، لكون التخصيب عنصرًا بمقدور إيران المساومة عليه مستقبلًا.
رُوي مرّةً أن أم أحد العلماء الإيرانيين الذين قُتلوا في عمليات الاغتيالات، أمسكت بالمفاوض الإيراني الرئيسي لاتفاق 2015، محمد جواد ظريف، وكان ظريف يحمل حقيبته معه، وقالت له: «إن دماء ابني معك في هذه الحقيبة». وقد استمرّت السردية الإيرانية في محاولة تحشيد الشارع من خلال التصريح بأن التخصيب النووي هو حقٌّ له. في الوقت الذي لا يجد فيه الشعب ما يأكله في ظل عقوبات أرهقت الشعب والعملة الإيرانية.
من المؤكد أن الملف النووي والتفاوض سيحملان في طيّاتهما رسم الكثير من دور إيران في المنطقة مستقبلًا. في الوقت الذي نظر فيه البعض إلى أن توقيع الاتفاقية، وتطبيع إيران علاقتها مع العالم، ورغبة ترامب في الاستثمار والاستفادة من قدراتها، قادر على أن يكون من أهم أحداث العالم بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الاتحاد السوفياتي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة