لم يعد المتحدث الرسمي مجرد شخصية بروتوكولية تُطلّ بين حينٍ وآخر عبر وسائل الإعلام، بل أصبح عنصرًا محوريًا في صناعة الصورة المؤسسية، ورافعة استراتيجية في زمنٍ تتطلّب فيه الحقائق صوتًا حاضرًا وواعيًا.
لقد تغيّرت قواعد الاتصال، وبات الجمهور يتوقّع ردودًا سريعة، ورسائل واضحة، وشخصًا يُمثّل المؤسسة بثقة واحترافية.
أستحضر هنا تجربتي كمتحدث رسمي لعدة سنوات في جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية، حيث لعبت المؤسسة دورًا جوهريًا في تمكيني من أداء مهمتي بنجاح.
كان لدعم القيادة وتوفير المعلومات الدقيقة، إضافةً إلى قربي من متخذي القرار، أثر بالغ في تعزيز قدرتي على إيصال الرسائل بفاعلية. كما ساهم تواصلي المستمر، وفي كل الأوقات، مع وسائل الإعلام والجمهور، في بناء ثقةٍ متنامية بيني وبين المجتمع، وهو ما شكّل لاحقًا نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع في التفاعل الإعلامي على مستوى أرحب.
اليوم، يبرز المتحدث الرسمي كواجهة رئيسية لنقل الإنجازات، وتفنيد الشبهات، وبناء صورة موثوقة للدولة أو المؤسسة. فهو يشرح السياسات، ويردّ على التساؤلات، ويعزّز الشفافية.
وفي عصر التكنولوجيا، يُنتظر منه أن يُتقن أدوات الإعلام الرقمي، ويتفاعل بلغة العصر مع جمهورٍ متنوّع وسريع التلقي.
وللنجاح في هذا الدور، لا بدّ أن يتحلّى المتحدث الرسمي بصفات جوهرية: اللباقة، والثقة، والفهم العميق لسياسات المؤسسة، والقدرة على التحدّث بلغات متعددة – لغوية ومجازية – تتماشى مع طبيعة الوسائط الحديثة.
لكن هذه الصفات تحتاج إلى بيئة داعمة، وهو ما يجب أن تُوفّره المؤسسة من خلال تفويضٍ رسمي، وتدريبٍ مستمر، وفريقٍ إعلامي متخصص، وتمكين فعلي للوصول إلى المعلومة.
في المحصّلة، المتحدث الرسمي الناجح هو انعكاس لمؤسسةٍ تؤمن بقيمة الكلمة، وتحترم وعي الجمهور، وتُدرك أن الصورة العامة لا تُبنى بالصمت، بل بالوضوح، والتفاعل الذكي، والمستمر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة