البعض تفاجأ من طلب الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في منصة "إكس"، بعزل دونالد ترامب من الرئاسة، على اعتبار أن ماسك هو حليف استثنائي في الفترة الرئاسية الثانية لترامب..
بل هو ساعده الأيمن الذي سانده في الحملة الانتخابية في مقابل أن ترامب منحه صلاحيات مفتوحة في البيت الأبيض وذلك مكافأة له على تلك الخدمة، ما يعني أن ما يربط الاثنين من علاقة ينبغي ألا يتأثر بالخلافات السياسية.
وزادت تلك المفاجأة عندما انتقل الخلاف بين الاثنين إلى "المعايرة" بينهما بطريقة لا ترقى إلى المكانة السياسية والاقتصادية التي يتقلدها الرجلان على مستوى العالم، ففي حين طلب ترامب من ماسك العودة إلى بلده الأصلية جنوب أفريقيا، واستهزأ بمشروع ماسك الوصول إلى المريخ وكأن الأمر يتم بين أناس على هامش المجتمع أو مراهقين، فقد ذكر إيلون ماسك ترامب بأنه لولا المنصة التي يمتلكها "إكس" لما نجح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
إن ما يربط الشخصين من علاقة هي المصلحة السياسية وهو أمر معروف في العلاقات الدولية حتى وإن كان الأمر بين فردين في دولة واحدة. وعالمنا مليء بقصص العداوات السياسية التي تنتقل إلى صداقات فيما بعد قبل أن يحدث ما نراه بين الرئيس ترامب والملياردير ماسك.
عموماً، الصداقة والعداوة السياسية علاقة مبنية على المصلحة وتتغير بطبيعة المصلحة وفي أكثر الأحيان تكون قاسية في العداوة وتتجاوز قيم الصداقة والأخلاق ولكن هي هكذا تحدث، لذلك من الغريب أن يستهجنها البعض ممن يعمل في السياسة أو يكتب فيها، ويراها بأنها غير أخلاقية مع أنه يدرك أنها تختلف عن الصداقة الإنسانية والأخوية.
وهذه النوعية من الصداقة أو العداوة مفهومة لدى أغلب السياسيين، لذلك كانوا لا يتقبلون من يندسون في عباءة الدين بممارسة السياسة، إلا إذا كان هؤلاء "المتدينين" يستغلون الدين وسيلة للوصول إلى أهداف سياسية والتي كشفتها المواقف الأخيرة عن أهداف تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي الذي استخدم شعار "الدين هو الحل".
وتفاضل هذه العلاقة السياسية بين المصالح الشخصية والوطنية ومدى تحقيقها لها ولا تضع للأخلاق والقيم أي معيار، وربما تزيد هذه المفاضلة إذا كان الرئيس بنفس عقلية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي ينظر إلى السياسة من باب "الصفقة" فهو يقوم بتسويغ السياسات التي يتبعها بناء على النتائج العملية الناجحة لذا عادة ما تغيب الأخلاق فيها.
لذا ينصح بعدم خوض المجال السياسي لمن يدعون الأخلاق والقيم مثل رجال الدين وإن دخلوا فيها عليك أن "تشك" خاصة إذا لبس الدين ثوب السياسة، لذا أغلب المجتمعات العربية التي تعاني من التناحر الطائفي والخلافات الدينية سببها متدينون يمارسون السياسية أو بالأحرى يوظفون الدين لخدمة أهدافهم السياسية.
ما فعله الخلاف بين ترامب وماسك أنه كشف واقعا قديما وهو أن المصالح هي التي تحكم العلاقات السياسية ليس فقط بين الدول ولكن حتى بين السياسيين وبمجرد حدوث خلاف بينهما تبدأ الخلافات والمشاكل إلى درجة "المعايرة" بالطريقة الشعبوية التي تسمى "التنمر" وباستخدام كل الأسلحة المشروعة وغيرها. والجديد أننا كنا نعتقد أن هذا النوع من الخلافات مقتصر على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولكن يبدو المعرفة الإنسانية واحدة.
قد يختفي ماسك من الساحة السياسية خلال الفترة القادمة ولكن لا يعني غيابه للأبد ولكن أيضاً هذا لا يعني انتهاء احتمالية عودة العلاقة بين الطرفين بل هو أمر وارد لعودته أيضاً، إذا المصلحة تطلبت ذلك لأن هذه طبيعة الصداقة والعداوة السياسية.
علينا أن نحفظ عن ظهر الغيب، أنه في عالم السياسة والاقتصاد لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل هناك المصالح التي تشكل العلاقة، وما يحدث بين الصديقين الحميمين ترامب وماسك خير برهان وإن كان الجزء الثاني من الصورة وهو التهدئة وعودة العلاقة لم يظهر بعد ولكنه يبقى احتمالا قائما وعلى الرأي العام عدم المفاجأة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة