ما إن تصاعد دخان الضربة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة تجاه إيران، حتى امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بسيل من الرسائل المقلقة، تتحدث عن تسريبات نووية وكوارث بيئية تهدد الخليج والمنطقة بأكملها، دون سند علمي أو مصدر موثوق.
وكأن الحروب لم تكتفِ بصواريخها، بل بدأت تطلق أيضًا إشعاعات افتراضية من نوع جديد: الشائعات.
اللافت أن بعض من يروجون لهذه “التحذيرات” لا يدركون أن الشائعة أخطر من الإشعاع، فهي تنتشر بسرعة الضوء، وتخترق الوعي الجمعي دون مقاومة، وتزرع القلق في نفوس الأبرياء، وتربك الجهات الرسمية، وتخدم أجندات لا تمت للمصلحة العامة بصلة.
هناك فرق واضح بين التحذير المهني المبني على المعلومة، وبين التهويل الإلكتروني الذي غالبًا ما يكون مسنودًا برغبة في لفت الانتباه، أو جني متابعين، أو تنفيذ أجندة خفية، خاصة حين تأتي هذه الرسائل من حسابات مجهولة الهوية، أو من “ذباب إلكتروني” ينفذ حربًا خفية بالوكالة.
الشائعات لم تعد مجرد حديث عابر، بل أصبحت أداة من أدوات الحرب النفسية، تستهدف المجتمعات من الداخل، وتُستخدم أحيانًا بذكاء شديد لضرب الثقة بين الشعوب وحكوماتها. ولو عدنا للتاريخ القريب، لوجدنا شائعة واحدة قد تُشعل فتنة، أو تُسقط اقتصادًا، أو تُربك دولة بأكملها.
وللأسف، تسهم بعض العقول المتحمسة في نشر الذعر دون وعي، متجاهلة أن هناك جهات مختصة في الدول الخليجية، وكذلك في إيران نفسها، هي الأدرى بمدى وجود أي خطر إشعاعي أو بيئي. فلو كان هناك خطر حقيقي، لأعلنت عنه الجهات الرسمية، وتحديدًا من داخل إيران، فهي المعنية أولًا بما يحدث على أرضها.
إننا في زمن تتكاثر فيه الأخبار الكاذبة، وتتشكل فيه الأزمات أحيانًا من تغريدة، وتتشظى المجتمعات بفعل مقطع مجهول أو “صوتية مزيفة”، ولهذا يجب علينا كأفراد أن نكون أكثر وعيًا ومسؤولية.
ختامًا..
فلنكفّ عن نشر الشائعات، ولنترك الحديث في هذه الأمور للمتخصصين، ولنتعلم أن نأخذ معلوماتنا من مصادرها الرسمية.
لأن بعض الشائعات لا تقل فتكًا عن الإشعاعات، بل تفوقها ضررًا حين تضرب الوعي العام وتُربك الصف الداخلي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة