لو أن تقدم المؤسسات الوطنية في الأفق العام على وتيرة واحدة، لكانت لبعض القضايا عناوين أكثر أهمية.
لو أن تقدم المؤسسات الوطنية في الأفق العام على وتيرة واحدة، أو في الوتيرة نفسها، ومن دون «انقطاعات» أو تراجعات، لكانت لبعض القضايا عناوين أكثر أهمية ومغايرة، لكن هذا المطلب شبه تعجيزي.
إنه لا يحدث وفق المأمول تماماً، لا هنا ولا في أي مكان.
ألغى المنتمون إلى الإسلام السياسي يوم سيطروا على وزارة التربية والتعليم دروس الفلسفة في الثانوية، فما هو حال تدريس الفلسفة في مدارسنا اليوم؟ وألغوا درس الرسم، ما أدى مباشرة إلى تراجع عنوان الرسم والتشكيل في مدارسنا ومناهجنا الوطنية، فماذا عن الرسم في مدارسنا اليوم؟
في الوقت نفسه، لا تُدرج بعض الانقطاعات والتراجعات الكبرى في السياق نفسه، وإذا كان مجتمعنا يُقر بأن "الإخوان المسلمين" سيطروا في فترة من الفترات على التعليم متمثلاً في وزارة التربية وجامعة الإمارات، وسيطروا خصوصاً على مفاصل مهمة كالمناهج والمناطق التعليمية، فإن من المطلوب اليوم دراسة تلك المرحلة، لجهة أثرها الذي ربما بقي مستمراً حتى الآن.
ألغى المنتمون إلى الإسلام السياسي يوم سيطروا على وزارة التربية والتعليم دروس الفلسفة في الثانوية، فما هو حال تدريس الفلسفة في مدارسنا اليوم؟
وألغوا درس الرسم، ما أدى مباشرة إلى تراجع عنوان الرسم والتشكيل في مدارسنا ومناهجنا الوطنية، فماذا عن الرسم في مدارسنا اليوم؟ وكم هو أساسي ومهم، وكم هو هامشي ويُستغنى عنه؟
ولم يكن للموسيقى في مدارس "التربية" في فترة "الإخوان" بطبيعة الحال مكان، فهل تبدل الحال بعدهم؟
الكلام نفسه يمكن أن يقال في المسرح؛ حيث ظلت مسارح المدارس "ديكورية" وخالية، والذي حدث ليس الصمت وإنما الضجيج العالي والتنفير من كل ما ذكر. حصلت عملية طرد واعية وممنهجة لكل ما هو ثقافي في التعليم، وحُوربت المكتبات المدرسية، فلم تعترف المدارس والإدارات التعليمية بإدارة الرقابة التي كانت ضمن اختصاصات وزارة الإعلام والثقافة السابقة؛ بل اخترعت لها نهجاً خاصاً بالمخالفة الصريحة الواضحة للقانون، فقد يكون الكتاب مسموحاً في الدولة وممنوعاً في "التربية"، ما أسهم في تكوين نطرة قلقة ومرتبكة لدى الطالب، كما أسهم في تكوين فئة "نجيبة" ووفية لتلك المدرسة التي تعتبر الفن عدواً لدوداً.
ذلك الجيل عانى كثيراً كل ذلك، وعانت بعده أجيال، لكن الموضوعية أن آثار قرارات تلك الفترة موجودة حتى الآن، ومطلوب العمل على التخلص منها بكل الوسائل. نعم آثار مثل هذه القرارات لا تنتهي بانقضاء فترتها أو بجرة قلم، لكن السؤال المطروح هنا، هو سؤال البناء وإعادة البناء بعد كل ذلك الهدم المتعمد.
وتردد بعد تلك الفترة على نطاق واسع أن الفلسفة مما لا يرغب فيه؛ حيث هي تفكير حر بلا حدود؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى الكفر والضلال، كما تردد أن الرسم والموسيقى حرام، ورأينا من اعتبر حتى النشيد الوطني وتحية العلم حراماً. نعم هكذا حرفياً.
وفيما أجمعت المشاهدات والتجارب، عربياً، على أثر الفلسفة والفنون في تكوين الشخصية إيجابياً، أشارت الدراسات إلى أن غيابها عن المدارس والمناهج يسهم في اتجاه بعض الشباب نحو التطرف والإرهاب.
لو أن ذلك الشاب المواطن وهذه واقعة من وقائع المحكمة الاتحادية العليا دُرِّب في المدرسة على حب الفلسفة والفكر والحرية والحوار والثقافة، والرسم والموسيقى والمسرح، هل كان يحاكم، وهو في الثامنة عشرة من العمر، بتهمة محاولة الانضمام إلى «داعش»؟
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة