صاحب لوحة "الفتاة ذات قرط اللؤلؤ".. فيرمير مات مديونا رغم شهرته
التفاصيل المكتشفة ألقت الضوء على نواح جديدة من سيرة فيرمير (Johannes Vermeer) وتقنياته الفنية التي عكست تحولات القرن الـ17
جاء اكتشاف تفاصيل جديدة في لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" (The Girl With The Pearl Earring) وهي إحدى أشهر اللوحات في العالم، لتلقي الضوء من جديد على أعمال مبدعها الفنان الهولندي يوهانس فيرمير (1632- 1675).
وألقت التفاصيل المكتشفة الضوء على نواح جديدة من سيرة حياة فيرمير (Johannes Vermeer) وتقنياته الفنية التي عكست تحولات مهمة عاشها خلال القرن الـ17 الميلادي.
وعلى الرغم من أن هوية الفتاة التي تتصدر اللوحة لا تزال لغزا، فإن سيرة الفنان صاحب اللوحة على عكس من ذلك، فقد كانت معروفة وأقرب إلى ماسأة متكاملة، إذ حقق شهرة بالغة في حياته، وإن لم يحقق ثروة، وترك ديونا متراكمة عند موته المفاجئ، لدرجة أن زوجته طلبت إعانة من البلدية لتتمكن من العيش.
ويكشف كتاب "قبعة فيرمير" الذي أصدره مشروع كلمة في العام 2012 وهو من تأليف الناقد الكندي تيموني بروك، طبيعة ما عاشه الفنان فيرمير وأساليب عمله.
والكتاب من ترجمة الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة المصري الأسبق، وأستاذ علم نفس الإبداع في أكاديمية الفنون.
ويؤكد الدكتور شاكر عبدالحميد لـ"العين الإخبارية"أن الاكتشافات الجديدة حول لوحة "الفتاة ذات القرط الؤلؤي" تعزز ما توصل إليه الكتاب الذي أكد تلاشي بعض عناصر اللوحة بفعل الزمن، ومنها ربما كانت كأسا زجاجيا على شكل لؤلؤة.
ويقول عبدالحميد: "تظهر اللوحة تأثره بالفهم الشرقي للعالم، وهو مستمد من بعض التعاليم البوذية التي استعار منها ما يعرف بـ"شبكة أندرا" التي تزعم أن الله صاغ العالم مثل نسيج الشبكة وعند كل عقدة ربط لؤلؤة وكل فكرة هي لؤلؤة في هذه الشبكة التي تظهر شيئا، وتضمر داخله بقية الأشياء".
ويتجلى تأثر فيرمير بالعالم الشرقي في مجموعة اللوحات التي تظهر شغفه باللؤلؤ وأقراطه في 8 لوحات على الأقل أشهرها لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" التي أثير الجدل بشأنها.
ويرى كتاب "قبعة فيرمير" أن الرسام الشهير كان يستخدم الأسطح المقوسة أو المنحية لتعكس كل شيء حولها، هكذا ظهرت الكريات الزجاجية والأوعية النحاسية التي تشبه العدسات، ما ساعد على وجود انطباع بأن العالم الذي نعيشه يشبه اللؤلؤة، فهو كرة أرضية واحدة معلقة في الفضاء.
وقال متحف ماوريتهاوس، الواقع في مدينة لاهاي، الأربعاء: "إن الفحص العلمي وهو الأول الذي خضعت له لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي"، كشف عن وجود رموش صغيرة غير مرئية بالعين المجردة على عيني الشابة". وأثبتت الفحوص وجود ستار أخضر في الخلفية الفارغة ظاهريا للوحة العائدة إلى سنة 1665، بما يشبه "نسيجا مطويا" مُحي أثره في النهاية على مر القرون.
ويوضح وزير الثقافة المصري الأسبق أن فيرمير عاصر الرسام الشهير رامبرانت، لكنه لم يعمل مثله رساما رسميا للبلاط الهولندي، بل أراد أن يعيش حرا، ويعد فيرمير أشهر فناني الضوء في العالم، بعد مواطنه الهولندي فينسنت فان جوخ، وما يميزه أنه عاش في القرن السابع عشر الذي كان قرنا للتحولات المهمة التي كانت أقرب إلى تحقيق ما يشبه العولمة الآن.
ويرى عبدالحميد أن لوحات فيرمير جسدت هذا التحول، واستعان في تجسيدها بتقنيات الخداع البصري والغرف المظلمة التي كشفها العالم العربي الحسن بن الهثيم.
ويرى معظم نقاد الفن في العالم أن فيرمير تخصص في رسم الحياة المنزلية لبيوت الطبقة الوسطى في بلاده، لكنه لم يكن ثريًا، فقد ترك زوجته وأطفاله غارقين في الديون عند وفاته، واعتمد في تدبير معيشته على والدة زوجته.
وحسب الكتاب، فإن فيرمير في معظم لوحاته رسم مشاهد منزلية داخلية، "غرفتين صغيرتين ضمن منزله في دلفت"، إذ يظهر نفس الأثاث والديكورات في ترتيبات مختلفة، وكثيرًا ما صور نفس الأشخاص وكان معظمهم من النساء.
وأهم ما يؤكده عبدالحميد أن لوحات فيرمير امتازت بتناغم ضوئي ولوني ويقال إنه بفضل استخدام الغرف المظلمة كشف عن بعض الخصائص البصرية المميزة التي تكون أقل وضوحا في الطبيعة، وبفضل هذه التقنية عزز من وجود سمة أسلوبية خاصة تظهرها لوحاته التي كشفت عن تفاصيل بيته وأثاث منزله المليء بالسجاجيد الشرقية والزجاج الملون المنقوش والخشب المحفور والمرصع.
ومن أشهر لوحاته "منظر من دلفت" و"الضابط والفتاة الضاحكة" التي أنتجها عام 1660 و"لوحة امراة تقرأ خطابا بجوار النافذة" و"لاعبو الورق" و"امراة تزن الفضة"، وفيها إشارات جازية ليوم الحساب، ولعل الملمح الأكثر قوة للصورة كما يشير عبد الحميد متعلق باللوحة الموجودة داخل اللوحة.
وعمل فيرمير رئيسا لطائفة الصناع في سانت لوك بمدينة دلفت الهولندية، ومات فجأة وهو في الثالثة والأربعين من عمره، وتبددت لوحاته في مدن كثيرة حول العالم، وبقيت منها 35 لوحة تناثرت عبر 17 قاعة عرض في العالم والبعض منها لا يزال في مدينة دلفت.
ويشير كتاب " قبعة فيرمير" الذي ترجمه شاكر عبدالحميد إلى أن ما يميز لوحاته أنها تزخر بالبشر الحقيقيين، وتحيط بهم الأشياء التي تضفي معنى خاصا على وجودهم في بيوتهم أو موطنهم الأليف، وتحمل كذلك الأشكال الملغزة الغامضة في اللوحات، والتي من الصعب الكشف عن أسرارها لأنها كانت تصنع بقدر كبير من العناية والتروي.
وعكست اللوحات في تركيزها على تفاصيل الحياة مستوى الرخاء الذي تمتع به الهولنديون خلال القرن الـ17 بفضل نشاط شركة الهند الشرقية الهولندية، إلا أن هذا الشعور بالرخاء تراجع بعد قيام فرنسا بغزو هولندا 1672 وانهيار سوق الفن التي كان فيرمير يعيش منها، ويرجع البعض أن موته المفاجئ وهو في سن صغيرة، إلى أنه كان نتيجة مباشرة لعدم تحمل توابع هذا الانهيار، حيث عاش على القروض ومات من اليأس من عدم القدرة على تسديدها.