رائحة الموت تفوح بالعراق.. أسلحة إيرانية تفتك بمتظاهري "تشرين"
ربما كان صلاح العراقي الناشط المدني ببغداد يمهد لموته قبل نحو شهر من اغتياله برفع وصيته في فيديو داعيا لمواصلة المظاهرات وطرد الفاسدين.
و"العراقي" سقط، يوم الثلاثاء، برصاص كاتم قرب نقطة تفتيش أمنية شرقي العاصمة بغداد، لينضم إلى قافلة ضحايا التغيير منذ اندلاع تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول قبل أكثر من عام.
عُرف المتظاهر صلاح كأحد أبرز قادة الحركة الاحتجاجية في العراق، قبل نحو عامين، وظهر عبر أشرطة فيديو مصورة غالباً ما يتم تناولها على مواقع التواصل، يستهدف من خلالها المليشيات ومروجي الفكر المنحرف.
لكن في آخر تسجيل للمغدور، ظهر صلاح فيه وهو يشكو من إصابات تعرض لها على وقع المشاركة في تظاهرة ببغداد وكان يبدو متألما من شدة جراحه، أوصى ويحيطه جمع من المتظاهرين: "استمروا بالتظاهر.. سنموت بكرامة والمتقاعسين والساكتين على الظلم سيعيشون بذل"؟
السلاح الإيراني
زملاء مقربون اتهموا المليشيات الإيرانية وفصائلها المسلحة بقتل صلاح العراقي لمواقفه المناهضة والصريحة تجاه ما يحدث في بلاده والتجرؤ على فضحهم باستمرار.
ظل صلاح العراقي معروفا بين زملائه في ساحات التظاهر، قبل أن يصبح آخر ضحية تغتالها "أسلحة الظل"، وسط مؤشرات تدل على أن مسلسل القتل ومطاردة المناهضين للأحزاب الولائية وحيتان الفساد سيستمر، رغم التطمينات الحكومية بمتابعة ذلك الملف.
وقبل أيام اقتحم مجهولون ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وانهالوا بالضرب على أحد المتظاهرين ومن ثم الطعن بالسكاكين مما أسفر عن إصابته بجروح بالغة نُقل على إثرها إلى المستشفى.
وقبل 3 أيام، أظهر تسجيل فيديو مصور عبر مواقع التواصل، لناشط مدني تم استدراجه من قبل أحد الأشخاص من تجمع للمتظاهرين ببغداد وخطفه دون معرفة مصيره حتى الآن بذريعة التهجم على جهات لم يسمها.
وتصاعدت عمليات الاغتيال بعد انطلاق ما عُرف باسم "حراك تشرين" عام 2019، الذي عمّ أغلب مدن وسط وجنوب العراق، احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية واستشراء الفساد.
ورغم أن الاحتجاجات الساخطة تمكنت من إسقاط كابينة عادل عبد المهدي في عامها التشريعي الثاني، ودفعت البرلمان إلى إقرار قانون انتخابات جديد يضمن التمثيل العادل لكل الفئات، لم تتوقف عند حدود ذلك.
وشكلت السطات العراقية منذ أواخر العام الماضي إبان حكومة عبدالمهدي وحتى تسلم مصطفى الكاظمي مهام رئاسة الوزراء أكثر من 10 لجان للكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للقضاء وسط ضغوطات شعبية متزايدة للمضي بهذا الأمر.
لا مكان لأنصاف الحلول
ولم تنجح السلطات المختصة بشأن حوادث اغتيال المتظاهرين منذ عامين، في تقديم أو كشف عن أسماء القتلة والجهات التي تقف وراءهم، فيما يشكك متابعون بمقدرة الحكومة على تقديم الجناة للعدالة لكون أن الأمر يرتبط بموازين وإرادات دولية وإقليمية.
المحلل السياسي علي الكاتب، يرى أن عمليات الاغتيال وترويع حملة الأفكار المدنية ومنابر الكلمة الحرة، ستتواصل من قبل مليشيات الموت وقوى الظلام التي لا تريد التسليم إلى الدولة والقانون وانتظام المؤسسات. وبات العراق – بحسب الكاتب – أمام مرحلة مفصلية لا تقبل بأنصاف الحلول أو المعالجات الصورية والترقيعية، مستدركاً بالقول: "ما يجري الآن هو التحضير لإفشال الانتخابات البرلمانية المبكرة من خلال وأد الصوت الحر وممارسة الضغط على الشارع والتهديد بالسلاح من قبل فرق الموت".
وأضاف لـ"العين الإخبارية": "هناك اختبارات وطنية أمام الكاظمي ومن سيخلفه مستقبلاً تتمثل في تحجيم السلاح المنفلت والتعامل مع ملف المليشيات التي لا تزال حاضرة في صناعة القرار العراقي".
وشدد على أنه من لا يستطيع الوقوف أمام هذه الفوضى ليس مضطراً للمغامرة بمصير بلد لا يملك متسعاً من الوقت لإجراء التجارب السياسية.
استهداف الرموز
ومع التسليم بأن عمليات اغتيال المتظاهرين شهدت تراجعاً في حكومة الكاظمي المؤقتة، إلا أنها باتت تستهدف رموزاً وشخصيات مؤثرة في المشهد الاحتجاجي كذلك على مستويات الفكر والسياسة والثقافة، من بينها مقتل الأكاديمي والمحلل السياسي هشام الهاشمي ببغداد وطبيبة التغذية والناشطة البصرية، ريهام يعقوب جنوب العراق.
ويعتقد الخبير الأمني، صالح داود، أن مليشيات الكواتم كما يصفهم، اعتمدوا ومنذ شهور استراتيجية "ضرب الشواخص لترهيب الأشخاص"، بمعنى أن عمليات الاستهداف يقصد منها إحداث ضرر نفسي في عقلية الشارع المنتفض على سلطة الأحزاب الفاسدة في العراق بغرض التراجع عن مطالبهم المشروعة والواعية.
ويحذر داود من فقدان المعالجات الأمنية وتعجيز الدولة عن حماية مواطنيها من آفات الانحراف السياسي والمؤسساتي؛ إذ أن الاكتفاء بالقول دون فعل واقعي على الأرض ينذر بانفجار الشارع وتعقد الوضع بنحو يصعب السيطرة عليه.
غير أن المحلل والصحفي حمزة مصطفى، يرى أن إجراءات الكاظمي الأخيرة بعد سلسلة الأحداث التي شهدتها البصرة قبل 3 أشهر وكذلك بحق مجاميع الكاتيوشا التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق، قد حجمت من قدرة تلك الفصائل والقوى المرتبطة معها في تنفيذ خروقاتها الأخلاقية والقانونية وليست الأمنية فحسب.
غير أنه عاد ليؤكد أن القضية والحلول ليست مرتبطة بالداخل العراقي فقط، فمثلما يعرف الكثير أن تلك الفصائل والمجاميع تنفذ أجندات خارجية تأتي ضمن خصومة دولية إقليمية بين قوى متصارعة على حيازة البلاد فإنه يفرض على صناع القرار في بغداد التحرك نحو الخارج ومسك خيوط التعقيد من الأعلى وليس بضرب الأفعى من أطرافها.
وشهد العراق قبل أكثر من عام تظاهرات احتجاجية هي الأكبر في تاريخه المعاصر، احتجاجاً على سوء الأوضاع السياسية ومستويات التدني الخدماتي وارتفاع مستويات الفقر والبطالة في بلاد النفط والزراعة.
وأسفرت تلك الاحتجاجات التي استمرت بشكل متواصل لنحو 4 أشهر قبل أن تتعطل بسبب وباء كورونا، عن مقتل نحو 600 متظاهر وجرح الآلاف من المتظاهرين بنيران وعمليات عنف .
وتجددت تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول بعد عام على ذكرى انطلاقتها، طالب فيها المحتجون باستكمال تحقيق المطالب الجماهيرية وتقديم قتلة المتظاهرين إلى القضاء، فيما شهدت أعمال عنف سقط على إثرها قتيلان وعشرات الجرحى بعد اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن في مناطق متفرقة من العراق.