الكاظمي يقترب من كهوف الفساد والمليشيات بالعراق.. رؤوس حان قطافها
ملفا الفساد والمليشيات المسلحة حجرا الزاوية في العجلة الإصلاحية لرئيس الوزراء المؤقت، اللذين أطاحا بأغلب السلطات المتعاقبة على العراق
باتت كل المؤشرات تؤكد الرغبة الحكومية الجادة في مواجهة الفساد وضربه من أسفل الجدار تمهيدا للإطاحة بالرؤوس الكبيرة المتنفذة في موارد الدولة العراقية طيلة الحكومات السابقة التي تلت عام 2003.
وعلى ما يبدو أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي قطع عهودا حكومية منذ تسلمه منصب رئاسة الوزراء قبل أكثر من 4 أشهر، ماضٍ في تحقيقها ولو كره المعارضون والمشككون بقدرته على قطع الأذرع التي تمتد إلى موازنة الدولة وقوت الشعب.
ويشكل ملفا الفساد والمليشيات المسلحة غير القانونية حجري الزاوية في العجلة الإصلاحية لرئيس الوزراء المؤقت، اللذين أطاحا بأغلب السلطات المتعاقبة على العراق، بدءا من حكومة المالكي وليس انتهاء بـ"عبدالمهدي" التي واجهت مصير الاستقالة بعد غضب جماهيري كبير لضعف أدائها وفشلها في تحقيق استقرار أمني اقتصادي.
- الكاظمي يستعين بقوات مكافحة الإرهاب لمواجهة الفساد بالعراق
- الكاظمي يحمل الحكومات السابقة مسؤولية الانفلات الأمني بالعراق
ويعيش العراق بعد تجربة سياسية ممتدة لـ18 عاما أوضاعا مضطربة في مجال الأمن والاقتصاد والبنى التحتية، رغم إنفاق مليارات الدولارات على المشاريع الاستراتيجية في مجال الطاقة والصحة والصناعة والتعليم.
ويصنف العراق في المراتب الأولى بين الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب إحصائيات منظمة الشفافية الدولية التي تعنى بتقديم تقارير عن وضع البلدان في جوانب الاقتصاد والنزاهة.
ولعل الخطوة الأخيرة لحكومة الكاظمي، الخميس، بتشكيل لجنة لمكافحة الفساد وإسناد مهامها إلى قوات مكافحة الإرهاب، يمثل حجم التحدي الكبير لذلك الملف والأطراف المتورطة في نهب المال العام.
وسبق ذلك الأمر قبل نحو شهر تحرك للكاظمي نحو دوائر النزاهة والقضاء لتفعيل أوامر ضبط بحق مسؤولين متهمين بالفساد، بقيت ملفاتهم معلقة في أدراج الإهمال لسنوات عديدة.
وبعدها بأيام هاجمت قوة أمنية منزل وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب، وفرضت عليه الإقامة الجبرية، وإصدار أوامر قضائية له بتهمة إهدار المال العام.
وأنفق على مشاريع تجهيز الطاقة الكهربائية في العراق نحو 62 مليار دولار، وهي ما تعادل موازنات سنوية لبعض الدول النامية، ولم تتقدم الكهرباء نحو التعافي وبقي المواطن ضحية لحرارة الصيف وبرد الشتاء.
فيما لم تعد إيرادات البلاد تتحمل عمليات سرقة وفساد من قبل الأحزاب واسعة النفوذ والفصائل المسلحة بعد إعلان الخطر واقتراب بغداد من إشهار إفلاسها بسبب الأزمة الاقتصادية، جراء هبوط أسعار النفط والظروف القاسية التي فرضتها جائحة كورونا.
واضطرت السلطتان التشريعية والتنفيذية إلى فتح ملفات نهب مالي كبير وتشكيل لجان بينها التحقيق بملفات وزارة الكهرباء لرصد حركة الأموال التي صرفت من عام 2006 وحتى الآن.
وقبل يومين، حذر وزير المالية علي عبدالأمير علاوي من انهيار الوضع المالي في العراق إذا ما بقيت موارد البلاد تحت سطوة الأحزاب والمليشيات، منوها بالقول "انفجار بيروت نتيجة ضعف الحكومة، ونحن لسنا ببعيدين عن تكرار ذلك السيناريو".
ويرى المحلل السياسي ياسين البكري أن اقتراب الكاظمي من رؤوس الفساد في العراق إشعار لهم بوضع غير آمن، وحقبة جديدة من السياسات التي لا تجامل على حساب المصلحة الوطنية وقوت الشعب.
ولفت البكري في حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن "نفوذ المليشيات وهشاشة الوضع الأمني انعكاسات ونتائج حتمية لتفشي الفساد وضعف الدولة".
وأوضح أن "ما آلت إليه الأمور في العراق لا يتقبل إنجازات نصفية، فإما القضاء على المفسدين وإما الذهاب نحو الهاوية".
وضمن مساعي سلطة بغداد في تطويق الفساد وانتشال البلد من أزمته الاقتصادية الخانقة، أصدر البنك المركزي العراقي في الـ28 من أغسطس/آب الماضي قراراً بتجميد أرصدة 9 مسؤولين سابقين وحاليين، بينهم شخصيات مقربة من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وشمل قرار حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة كلا من ياسر صخيل صهر المالكي وشقيقه لقمان صخيل، ومحافظ كربلاء السابق عقيل الطريحي، ورئيس مجلس الحكم السابق، حاجم الحسني ونص وزهير الأعرجي (نائب برلماني).
وكذلك علي القريشي (مسؤول بوزارة الخارجية)، ووليد رضا (مسؤول بمكتب رئيس الوزراء)، وسعيد خضر، وعبدالله محمد عبدالله (دون تحديد صفاتهما الوظيفية)".
وعدّ البعض ذلك التحرك بأنه اقتراب من دائرة النيران والمواجهة المباشرة مع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يتحصن بأموال طائلة ويتحكم في إمداد وامتدادات الكثير من الفصائل والمليشيات المسلحة.
وكان الكاظمي تعهد في أكثر من مناسبة بملاحقة الفساد والكشف عن قتلة المتظاهرين وحصر السلاح المنفلت، مؤكدا أن "سلامته الشخصية ستهدد جراء تلك الخطوات"، واصفا نفسه بـ"الشهيد الحي".
وتتطلع الجماهير الغاضبة منذ انتفاضتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أن تحقق حكومة الكاظمي خطوات ملموسة في مجال مكافحة الفساد وتوفير فرص العمل والتقليل من نسب الفقر المرتفعة في البلاد.
وأسهمت الخطوات الإصلاحية والجهود الحكومية للكاظمي رغم قصر مدتها في طمأنة الشارع العراقي المنتفض على سطوة المليشيات وتفشي السلاح المنفلت بعد الإعلان عن عدد القتلى في المظاهرات التي اندلعت في أواخر عام 2019.
وأعلنت الحكومة العراقية في ختام الشهر الماضي عن أعداد قتلى المظاهرات الذين سقطوا بنيران قوات الأمن ضمن أحداث العنف التي شهدتها ساحات التظاهر في أغلب المدن.
وقدمت إحصائية بـ560 قتيلاً وصفتهم بالشهداء وتعهدت بكشف هويات القتلى.
وأعلن مجلس القضاء الأعلى، الخميس، عن سير التحقيقات بشأن اللجنة المشكلة بشأن ذلك، كاشفة عن إصدار أوامر قبض بحق منتسبين في صفوف الأمن بينهم ضباط متهمون بالقتل.
وأشارت إلى استدعاء وزيري الدفاع والداخلية في حكومة عبدالمهدي المستقيلة في تحرك هو الأعلى من نوعه بالعراق.
ويرجح الصحفي والمحلل السياسي حمزة مصطفى في حديث لـ"العين الإخبارية" أن تتصاعد حدة الرفض لدى قوى الممانعة وقيادات الظل من إجراءات الكاظمي التي تستهدف معاقل الفساد ومصادر تمويل الفصائل المسلحة.
واستدرك: "إن رئيس الوزراء ورغم الإمكانات البسيطة التي بحوزته استطاع أن يشكل تهديدا حقيقيا لحيتان الفساد والفصائل الولائية للخارج، وهو أمر لن يسري على أرض منبسطة وميسرة، بل ستكون له ارتدادات على المشهد العراقي".
وأشار إلى أن "خطورة ذلك الأمر تتمثل ليس بملاحقة السارقين وإنما في تغيير ثوابت ومخططات إقليمية دولية تعتزم الإبقاء على العراق ضمن دوائر الأزمات والصراع".
aXA6IDEzLjU5LjE4My4xODYg جزيرة ام اند امز