من يميط اللثام عن الجناة؟.. العراق يئن تحت الاغتيالات
شبحٌ متخفٍ يؤرق العراقيين كلما أطل برأسه لإسكات الصوت وضرب الجسد، في جرائم سرعان ما تشعل الشارع وتُذكر بالعدالة للدماء التي سالت
فمحاولة اغتيال الصحفي العراقي أحمد حسن بالرصاص في الديوانية، بالأمس، وقبله مقتل ناشط في كربلاء، فتحت مسلسل الرعب من عودة التصفيات التي تجثم على صدور العراقيين.
وغالباً ما يكون ضحايا تلك الجرائم الناشطون في المظاهرات وأصحاب الرأي السياسي ممن تتعارض طروحاتهم ومواقفهم مع المليشيات التي تحتكم على المال والسلطة والسلاح.
ويعزو مراقبون وقوع جريمتي اغتيال خلال مدة لا تزيد على الـ24 ساعة إلى أسباب تتعلق بقرب إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، في محاولة للضغط على القوى المدنية بالتراجع عن مواصلة زخمها في الشارع، خشية ابتلاع الأحزاب الكبيرة المتسمرة في السلطة منذ أكثر من عقدين.
فيما تذهب بعض الآراء نحو قراءة أخرى لمشهد الاغتيالات في العراق، بربط ما يجري في الداخل بمسار أحداث خارجية ليست ببعيدة عن المفاوضات الإيرانية الجارية مع دول الغرب بشأن برنامجها النووي.
وكان متظاهرون غاضبون حاصروا مبنى القنصلية الإيرانية في كربلاء وأضرموا النار في أجزاء منها بعد اشتباكات عنيفة ليل الأحد، احتجاجاً على مقتل الناشط المدني إيهاب الوزني، الذي وُجهت أصابع الاتهام في تلك الحادثة إلى طهران.
وبعد أقل من 24 ساعة، هاجم مسلح مجهول الهوية، بسلاح شخصي، صحفياً أمام داره في الديوانية، جنوب العراق، مما أسفر عن إصابته بجروح خطيرة بمنطقة الرأس نُقل على أثرها إلى مستشفى في العاصمة بغداد.
"إسكات الصوت والجسد"
يقول ناشط مدني، وهو شقيق لشخصية مؤثرة في الصفوف الاحتجاجية، كان قد اغتيل في العاصمة بغداد إبان الأيام الأولى لمظاهرات أكتوبر، أن "هنالك قائمة جديدة لدى مليشيات الموت تضم مجموعة من الأسماء".
ويذكر الناشط لـ"العين الإخبارية" مفضلا عدم ذكر اسمه، خوفا من الملاحقة، أنه "وعقب مقتل إيهاب الوزني ومحاولة الاغتيال الفاشلة للصحفي أحمد حسن، قد تم تهديده بالتصفية خلال الساعات القادمة".
يتجه الناشط الشاب، نحو مناطق أربيل كردستان هرباً من بطش الكواتم التي تهدد بإسكات جسده وصوته، ليلتحق مع زملاء آخرين كانوا قد سبقوه قبل أشهر إلى هناك.
يشير الناشط المهدد بالموت، والصديق المقرب من الوزني، إلى أن "الجناة معروفون، وبات الآن من سيكون الضحية القادمة مكشوفا ومشخصا".
ويلفت إلى أن رفيقه في الاحتجاجات الوزني قتل أمام داره في منطقة الحداد قرب ضريحي الإمامين الحسين والعباس، وهي منطقة لا يدخلها إلا سكانها أو ممن لديه تصريحا بذلك"، متسائلاً "كيف استطاع الجناة دخول تلك الأزقة؟".
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق كشفت بالأمس عن إحصائية، ذكرت من خلالها تسجيل 89 حالة اغتيال بحق ناشطين ومدنيين ومدونين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضحت في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أن جرائم الاغتيال وقعت عقب اندلاع التظاهرات الاحتجاجية في العراق أواخر عام 2019.
فيما حذرت من تداعيات استمرار تلك الأفعال والانحدار بالبلاد إلى أوضاع لا تحمد عقباها.
وعن توقيتات عودة الاغتيالات في العراق مرة أخرى، يؤكد الخبير الأمني مؤيد الجحيشي أن "المليشيات أشهرت إفلاسها بعد أن أدركت أن الذيول التي دستها وسط المتظاهرين لن تستطيع حرف التظاهرات عن مطالبها المشروعة".
ويضيف الجحيشي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "جرائم الاغتيال لم تغب في العراق لتظهر مرة أخرى، ولكن هنالك تكنيكا وتكتيكا تتبعه المليشيات للتعامل مع ناشطي التظاهرات ومريدي التغيير".
"الوصاية"
وعلى إثر عمليتي الاغتيال الأخيرتين، اندلعت احتجاجات غاضبة بدأت من كربلاء إلى مدن الجنوب، بينها الديوانية و ذي قار وميسان، لجأ فيها المتظاهرون إلى غلق بعض الطرق وحمل صور النشطاء المغدورين ومطالبة الجهات الأمنية بوضع حد لتلك الانتهاكات.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، عبد الخالق العزاوي، عزا أسباب تكرر عمليات الاغتيال إلى ضعف الأجهزة الحكومية وفقدان السيطرة على السلاح المنفلت.
وأوضح العزاوي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تلك المحاولات يراد منها إثارة الفوضى وتعقيد المشهد السياسي في البلاد بما فيه من اختلالات بنيوية".
وفيما يتعلق بالمحاولات الرامية للسيطرة على قوى "اللادولة"، وتحييد بنادقهم، يؤكد العزاوي، أن "جميع الحكومات المتعاقبة سعت إلى فرض القانون وتثبيت أركانه ولكن لم يتغير شيء على أرض الواقع".
وفي هذا الصدد، دعا عضو لجنة الأمن والدفاع إلى "تحرك سريع من قبل الحكومة وجميع القوى السياسية لتدارك الأوضاع وما قد تؤول إليه من تداعيات في حال استمرارها"، مطالبا في الوقت ذاته بـ"الكشف عما وصلت إليه التحقيقات الخاصة بملف الاغتيالات".
وكان رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي وجّه، العام الماضي عقب وقوع عمليات اعتداء وتصفية لناشطين! بتشكيل لجنة رفيعة المستوى تضم قيادات أمنية، لكن إلى الآن لم يعلن عن نتائج ما وصلت إليه تلك التحقيقات.
لكن الكاظمي أكد أمس الأول الأحد، أن التأخر في إعلان نتائج التحقيقات بموضوع الاغتيالات يأتي لكون أن الأمر يتطلب "الدقة والمهنية".
وتنذر جريمتا هذا الأسبوع، بتأزيم المشهد السياسي وتحريك الساحات الاحتجاجية نحو التصعيد، في وقت يستعد العراق لخوض أول انتخابات تشريعية مبكرة بعد نحو 5 أشهر.
وعن تأثير تلك المتغيرات على إجراء الانتخابات المقبلة، يتوقع المحلل السياسي جمعة سعدون، أن تدخل الأمم المتحدة بقوة على خط الأحداث عبر متابعة ومراقبة عمليات الاقتراع المرتقبة عن كثب خشية تأثير السلاح المنفلت على أصوات الناخبين.
ويتابع بالقول: "إذا ما تفاقم الوضع في العراق وارتفعت حدة عمليات الاغتيال خلال المدة المقبلة فإنه ليس من البعيد فرض الوصاية الدولية على البلاد وإدخاله مجدداً في البند الأممي السابع".
وحول الجهات التي تقف وراء حوادث قتل وترهيب المدنيين في العراق، يبين سعدون في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "إيران ليست ببعيدة عن ذلك المشهد وهنالك مؤشرات ودلائل عديدة تؤكد تورطها، ولكن السلطات الأمنية لا تمتلك الجرأة للكشف عن ذلك".
ويرى المحلل السياسي أن "طهران تحاول من خلال تلك العمليات مخاطبة الولايات المتحدة بأنها قادرة على التأثير في المشهد العراقي وطبيعة القوى التي ستفوز في الانتخابات كورقة ضغط لتحقيق مكتسبات نووية في ملفها العالق مع الدول الغربية والذي يجري التفاوض بشأنه في فيينا".
aXA6IDMuMTQ5LjI1MS4yNiA= جزيرة ام اند امز