وباء الاغتيالات في العراق.. ظاهره عشائري وباطنه "سياسي"
لا تزال عمليات الاغتيال في العراق، تشكل الخطر الأكبر بدوافع سياسية وجنائية، وإن كانت محافظة ميسان جنوب البلاد تحتل المرتبة الأولى.
موقع (ميدل إيست آي) البريطاني قدم العراقي "جاسب حطاب الهليجي" كنموذج لعمليات الاغتيال البشعة؛ حيث لم يلحظ قط الدراجة النارية وهي تحمل رجلين مسلحين تتقدم باتجاهه تشق طريقها بصعوبة في طرق وأزقة ضيقة قبل أن يخرج أحدهما مسدسا ويطلق عيارا ناريا تجاه رأسه.
وبعد أقل من ساعة على مقتل الهليجي أعلنت الشرطة العراقية إلقائها القبض على القاتل، موضحة أن "الجريمة كانت ناجمة عن نزاع عشائري".
ونقل الموقع البريطاني عن ضابط كبير في الشرطة المحلية، قوله: إن "الهليجي هو ابن عم القاتل، وبينهما نزاعات كبرى ودعاوى قضائية متبادلة، القاتل اعترف بذلك".
تمسكت الرواية الشرطية العراقية بأن "أشرطة الفيديو لاعترافات القاتل كانت واضحة، أي أنها جريمة غير سياسية وهي مجرد نزاع عائلي، ولكن حقيقة النزاع بالضبط لم يتم توضيحها، ولا حتى مبرر حمل القاتل للمسدس أصلا".
لكن كثيرين في مدينة العمارة والعراق بشكل عام تحدثوا عن رواية مختلفة، تتبنى أن "الهليجي" سقط ضحية لوباء الاغتيالات، وكبقية الحالات الأخرى فإن قضيته الهليجي ستبقى محل تساؤل رغم دوافع الجريمة المعلنة.
وفي 12 مارس/آذار، أغلقت جهات التحقيق قضية اغتيال الهليجي، وذلك عقب المصادقة على اعترافات المشتبه به، والتي أكد فيها أن الضحية كان يتهمه بالوقوف وراء اختطاف ابنه.
ونقل التقرير عن ضابط شرطة قوله: "ليس لدينا علم بدوافع القاتل السياسية أو أي انتماء سياسي له، التحقيقات لا تتناول هذا الجانب، والجريمة وقعت لأسباب تتعلق بنزاعات عائلية، والقاتل تم إلقاء القبض عليه واعترف بجريمته وتم إغلاق القضية ولكن القضية لم تنته بعد بالنسبة لآخرين".
الموقع البريطاني اعتبر أن "اغتيال الهليجي، والطريقة التي تم التعامل بها من قبل السلطات، تلقي الضوء على توجه متزايد نحو اعتبار حوادث قتل شخصية وأخرى تحمل طابعا سياسيا على نحو كبير على أنها تعزى لنزاعات عشائرية، وغالبا ما يكون الضحايا نشطاء أو صحفيون أو محتجون".
ولعل مدينة العمارة وحدها شهدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أربع محاولات اغتيال لناشطين بارزين لهم ارتباطات باحتجاجات اندلعت في المحافظة، أبرزها كان مقتل الناشط أمجد الدهامات، أحد قادة التظاهرات البارزين التي شهدتها محافظة ميسان في ذلك الوقت.
وعلق التقرير على هذه المحاولات بقوله: "الدهامات وعدد من رفاقه كانوا قد أنهوا اجتماعا مع قائد الشرطة في ذلك الحين عندما تم اعتراضه عند مغادرته من قبل سيارة جيب سوداء".
واستنادا لمصدر شرطي وناشطين فإن أحد المسلحين في السيارة أطلق وابلا من الرصاص تجاه "الدهامات" استقرت في جسده ثلاث منها تسببت في قتله مع اثنين آخرين وجرح زميله الناشط بسام الساعدي.
وبعد 3 أشهر من التظاهرات، تكبدت حركة الاحتجاج في العراق خسارة العشرات من أبرز قادتها الناشطين بين قتيل وجريح واعتقال أو اختطاف أو هروب خارج البلاد.
وفي مدينة العمارة، خلف رجلان شابان الدهامات كقادة احتجاج من بعده، وهما عبدالقدوس قاسم ممثل مسرحي، ورضا العقيلي منسق حركة الطلبة، كلاهما تابعا إحياء جذوة الاحتجاج في مدينة العمارة للإبقاء على حركة الناس وتواجدهم في شوارع ميسان".
وأشار إلى أن نشطاء هربوا قبل سنتين بحثا عن ملاذ آمن لهم خارج العراق بعد مقتل رفاق لهم قالوا لموقع "ميدل إيست آي"، إن "قاسم وعقيل كانا يمثلان العقبة الرئيسة أمام الجهات المعارضة لهما لإنهاء الاحتجاجات في العمارة.
وقال ناشط: "رفض عبدالقدوس مغادرة العمارة رغم إصرارنا.. رضا كذلك بقي في نشاطه بمواصلة الاحتجاجات".
ولفت الموقع إلى أن "قاسم وزميله كرار عادل تم اغتيالهما في 10 مارس/آذار 2020 وسط مدينة العمارة، في حين نجا عقيل من محاولتي اغتيال بعد ذلك بيومين".
وهنا قال ضابط شرطة في العمارة لـ"ميدل إيست آي": "ما يحدث بالفعل هو صراع دموي حول سلطة ونفوذ، مع غياب كامل تقريبا لأي رغبة بوضع حد لسفك الدماء وحل النزاعات عبر الحوار.. الأسلحة في كل مكان والأعراف العشائرية هي السائدة".
وتساءل المصدر: "كيف نستطيع السيطرة على رجل في العشرينيات من عمره يحمل قاذفة آر بي جي ويتمتع بكامل الحماية من عشيرته والحزب أو الفصيل الذي ينتمي له؟.. للأسف ليست هناك إحصائيات رسمية عن عدد حالات الاغتيالات والقتل التي تشهدها كل محافظة شهريا أو سنويا".
aXA6IDE4LjIyNi4yMjIuNzYg جزيرة ام اند امز