تعدّ قضية اللجوء من أبرز الملفات الإنسانية المعقدة التي يواجهها المجتمع الدولي على المستوى الشعبي والحكومي في الآونة الأخيرة.
وبعد تحول قضية اللجوء إلى ورقة ضغطٍ سياسية تستغلها العديد من الدول، فإنّها تظل في جوهرها أزمةً إنسانيةً بالنظر إلى نتائجها التي تتمحور حول معاناة من يتجشم مخاطر الموت غرقاً وبرداً، فما الذي يدفع الإنسان إلى أنْ يبيع كل ما يملك في بلاده ليضعه في يدِ مهرّبٍ جشعٍ يخاطر بأطفاله من أجل الحصول على صفة لاجئٍ؟
بالنظر إلى جوهر القضية ومسبباتها نجد أنّها معقّدة ومركبة، تنبني على عوامل عدة مرتبطة ارتباطاً عضوياً، على الرغم من عنوانها الاقتصادي العريض، لذلك لا بدّ من العمل الجادّ على معالجة أسبابها الرئيسة، بدءاً من البلدان المصدّرة للاجئين حتى دول اللجوء، وذلك بتضافر الجهود الدولية في إيجاد الآليات المناسبة على المستويات التالية:
أولاً المستوى السياسي:
ويتمثل في الأوضاع السياسية القائمة في البلدان المصدّرة للاجئين، والتي تقوم على النزاع المستمر وتضارب المصالح الدولية، ما يجعل الدول المعنية بهذه الأجندات أمام مسؤولية مباشرة عن هذه القضية، وهو ما يتطلب جهوداً حقيقية من قبل الدول التي تشكل وجهةً لهذه الموجات من طالبي اللجوء لاستخدام نفوذها وقوتها السياسية والدبلوماسية لإرساء الحلول العاجلة لمثل هذه القضايا، وتوفير المناخ السياسي المناسب لفتح الأفق أمام حلحلة القضايا العالقة التي جعلت معظم أبناء تلك الدول يفقدون الأمل في تحسن الأوضاع والحياة في بلدانهم ولو في المستقبل البعيد، ما يُضطرهم إلى مغادرة بلدانهم على شكل مغامرة يائسة.
ثانياً المستوى الاقتصادي:
وهو الحامل الموضوعي الأكبر لهذه القضية، لا سيما أنه يتعلق بالحياة الشخصية لطالب اللجوء من جهة، وبأوضاع بلده من جهةٍ ثانية, وذلك لانعدام فرص العمل وتهاوي وتردي الأجور حد بلوغ مستوى الفقر، بالإضافة إلى العجز الحكومي وتهالك البِنَى التحتية التي جعلت من أبسط مقومات الحياة حلماً عزيزاً، كالطاقة والكهرباء والتعليم وحتى مياه الشرب، فلا بد من العمل على دعم هذه القطاعات ودعم مشاريعها من قبل المجتمع الدولي النافذ في الساحات السياسية لتلك الدول، وحمايتها من التسييس أو الضياع بيد الفاسدين من المسؤولين المحليين، والعمل على استثناء هذه القطاعات من العقوبات الدولية المفروضة على تلك البلدان، لاتصالها بحياة الإنسان البسيط بشكل مباشر، لأنّ فاتورة تلك المشاريع ودعمها تظل أوفر بكثير من فواتير متطلبات اللاجئ الاقتصادية والإنسانية وحتى الاجتماعية بالنسبة للدول المضيفة.
ثالثاً المستوى القانوني:
مع تحول حياة اللاجئ الباحث عن مستقبل أفضل إلى مبلغٍ ماليٍّ بسيط يرنو إليه مُهرّب، وإلى ورقة سياسية تستغلها بسوء بعض الدول للضغط على دول اللجوء، بات لزاماً على المجتمع الدولي بمؤسساته القانونية المحلية والمنظمات الدولية تجريم تلك الممارسات والتصدي لها بحزمٍ حتى لا تتحول الحياة الإنسانية لآلاف من النساء والأطفال إلى مجرد رصيدٍ بنكيٍّ لمن لا تعنيه حياة الإنسان، أو إلى ورقة سياسية بيد طرفٍ من الأطراف الدولية التي لا تراعي لحياة هؤلاء أي قيمة.
لذلك كله، فإنّ قضية اللجوء على الرغم من كونها قضية إنسانية واقتصادية في مقامها الأول، فإنها قضية مركّبة ومعقّدة تعتريها وتتقاطع معها الكثير من القضايا الشائكة والمترابطة، والتي تتطلب جهوداً دولية جادةً على طول طريق اللجوء، بدءاً من البلاد المصدّرة للاجئين وليس انتهاءً عند الحدود البرية والبحرية لدول اللجوء، بل تتعداها إلى داخلها أيضاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة