تعيش المنطقة ببُعديها العربي والشرق أوسطي حراكا دبلوماسيا نشطا يراه البعض مقدمة مخاض يفضي لانفراجات سياسية ويراه آخرون بلا ثمار.
أصحاب النظرية المتشائمة يرون أن ثمة دولا في المنطقة أخذت على نفسها عهدا بتوتير المشكلات وتأزيمها والحيلولة دون الوصول إلى انفراجات حقيقية، لكن خلال الأيام الأخيرة تزامنت الزيارات والجولات واللقاءات السياسية بين قادة المنطقة وضيوف أوروبيين.
فالرئيس الفرنسي زار دولا بالخليج العربي، ما يعني إعادة لتنشيط دور فرنسا في الشرق الأوسط، وهو ما رآه البعض تعويضا عن الفراغ الذي خلفته سياسة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والتي أدارت ظهرها للمنطقة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر في زيارة "من أجل السعي لتعميق العلاقات التركية مع دول المنطقة"، بعد إدراك تركيا أن سياسة التأزيم لا تنفع أحدا.
مستشار الأمن الوطني الإماراتي إلى طهران، بعد توترات طويلة أحدثتها إيران في المنطقة عبر أذرعها في اليمن ولبنان والعراق على مدار العامين الماضيين.
وما لقاء مستشار الأمن القومي للإمارات مع علي شامخاني، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، إلا تأكيد بأن إيران في احتياج شديد إلى الإمارات بعد حصار الغرب لها والعقوبات الأمريكية عليها وعزلة طهران الدولية منذ سنوات طويلة.
د. أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، يقول إن استراتيجية الإمارات "تقوم على تصفير المشكلات"، وهذا يعيدنا إلى الزيارة الجريئة لوزير خارجية الإمارات إلى دمشق، والتي كسرت عزلة سوريا وبدأت طريق عودتها إلى حضنها العربي.
المنطقة أيضا شهدت جولة خليجية مهمة لولي العهد السعودي، سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بدأها بالعاصمة العُمانية، وهي تأتي في ظل تحركات دولية وخليجية، كما أنها تسبق انعقاد الاجتماع المرتقب لقادة دول مجلس التعاون الخليجي.
وكانت هناك زيارة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى طهران حظيت بكثير من التعليقات، خصوصا أنها جاءت بعد أيام من انفتاح عربي نحو دمشق.
ما استوقف الجميع هنا هو قول وزير الخارجية الإيراني بأن المنطقة "ستشهد تغيرات جذرية كبرى"، وأنه يرحب بعودة العلاقات السورية مع محيطها العربي، بل إنه يدعو كثيرا من دول العالم لحذو ما فعلته الإمارات من خطوات تقارب جادة وجريئة.
وانطلاقا من هذه التحركات المتزامنة تقريبا يطل السؤال الأبرز: هل ثمة ما سيحدث في الأيام القادمة بناء على ذلك في الإقليم ككل؟
بلغة السياسة، ليس هناك شيء يحدث مصادفة، فنحن مقبلون بالتأكيد على تغيرات جذرية في منطقتنا أو ربما هي مرحلة تهيئة لمسارات سياسية يتم طبخها حاليا.
أن تعيش الإمارات في واقع عربي وشرق أوسطي من السلام والازدهار هو استراتيجية تسعى قيادة الدولة لها دائما عبر استمرار تطبيق مبدأ "التسامح الاستراتيجي".. وإطفاء نار صراعات إيران في المنطقة هو نوع من الفطنة السياسية.. أما جولة ولي العهد السعودي فتوقيتها شديد الأهمية، لأنها تأتي بعد تعثر التفاوض في فيينا بين إيران وبين أمريكا والغرب عموما، والمهم الآن هو وحدة الموقف الخليجي تجاه أي تطورات قد تحدث في المنطقة، سواء بين أمريكا وإيران أو بين إيران وإسرائيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة