زيارة الرئيس الفرنسي لعدد من الدول العربية الخليجية وُصفت بأنها "ناجحة على مختلف الصعد".
ومن منظور ثبات السياسة الخارجية الفرنسية نحو دول الخليج العربي والمنطقة، يعتبر صناع القرار في دول مجلس التعاون ذلك أمراً حيوياً للاستقرار الإقليمي بالدرجة الأولى.
وعلى الصعيد الثنائي بين كل بلد عربي خليجي وفرنسا، جاءت الزيارة المهمة للرئيس "ماكرون" لتعزز الأبعاد الاستراتيجية والمتنوعة لعلاقة دول الخليج العربي مع باريس، ففي هذه المرحلة الدقيقة بالذات، تحتاج المنطقة العربية إلى الصداقات والمواقف الثابتة، التي لا لبس بها.
والمواقف الإيجابية الواضحة والثابتة مطلب مهم لكل دولة تريد التوافق أو الاتفاق مع دولة أخرى، وقد أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه يولي أهمية مطلقة لعلاقة بلاده مع دول الخليج العربي، لا سيما السعودية والإمارات، وما مطالبته علناً بإشراك دول المنطقة في مفاوضات فيينا مع إيران ببعيدة عن الأذهان والذاكرة.
بل إن الرئيس الفرنسي أكدها مجددا للصحفيين، الذين رافقوه في رحلته الأخيرة بقوله دون تردد: "من وجهة نظر فرنسا، فعدم إشراك دول الخليج العربي في مفاوضات النمسا المستأنفة، يعني عدم التوصل إلى اتفاق جديد وملزم مع إيران في المدى القريب".
المرحلة اليوم جد دقيقة بالفعل، وتحتاج إلى الصداقات والمواقف الكاملة غير المنقوصة، فالسياسة المتذبذبة لأمريكا في عهد الرئيس جو بايدن لم تعد ترضي دول الخليج العربي، وقد نالت فرنسا منها نصيباً حين عدلت أستراليا قبل مدة عن شراء غواصات نووية من باريس وأبرمت عقوداً مع أمريكا، ليعتبرها "ماكرون" "طعنة أمريكية في ظهر فرنسا".
ودون أدنى شك، فإن تقارب المواقف بين دول الخليج العربي وفرنسا هو محاولة من الجانب الغربي الأوروبي لاغتنام الفرصة ولعب دور محوري، وتقديم باريس خطاباً مقروناً بالأفعال، قوامه أنها صادقة في علاقاتها مع عواصم المنطقة، ولن تتخلى عن الالتزام بكل بنود الشراكة والتعاون، وبالتالي يتم ترجمة ذلك على الأرض بصفقات عسكرية سعودية إماراتية مع فرنسا، واتفاقيات اقتصادية مهمة وغير مسبوقة.
ولطالما عبر المسؤولون الفرنسيون عن رغبتهم في تخفيف التوترات بالمنطقة، وحين يتحدثون عن السعودية على سبيل المثال يصفونها بـ"اللاعب الرئيسي" في المنطقة، والحوار الدائم معها أولوية، أما الإمارات فإنها ذلك "الشريك الاستراتيجي المهم القادر على خلق بيئة السلام من خلال دورها الريادي والبناء".
ومن يراقب الأحداث في عالمنا المعاصر، يجد أن النموذج الخليجي العربي الناجح أصبح وجهة مفضلة لزعماء الشرق والغرب، فالاستثمار الكبير في الإنسان، والذي تقوم به السعودية والإمارات، جعل الرئيس الفرنسي يشيد بكل ما تشهده الإمارات من نقلات نوعية جبارة، لن يكون آخرها معرض إكسبو دبي 2020.
أما السعودية، التي أطلق ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قبل أيام مبادرات الشرق الأوسط الأخضر وغيرها، فإنها كانت على موعد مع تبنّي فرنسا لهكذا مبادرات ونيتها للشراكة في هذه المجالات.
خلاصة القول تأخذ المتابع نحو الإيجابية، فالتطور الاقتصادي والسياسي والمجتمعي حالة تراكمية، والسير نحو المستقبل بخطى متأنية ومدروسة، أمرٌ محمود العواقب، لأن قادة دول الخليج العربي يعملون على رفع سوية الشراكات، بلغة عصرية تخدم مصالح الناس، وتجعل من هذه المنطقة العربية المؤثرة، مكاناً مفضلاً وقادراً على جسر الهوة بين المسافات الجغرافية، كون العالم بحد ذاته أضحى قرية صغيرة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة