خبير أسترالي: لم نفقد الطريق لتحقيق أهداف اتفاقية باريس (حوار)
من بين الحلول المطروحة لتخفيض الانبعاثات الكربونية، هو الاتجاه للهيدروجين الأخضر لتحقيق عالم خالٍ من الكربون بحلول عام 2050.
ويقدم الهيدروجين الأخضر حلاً لإزالة الكربون من الصناعات "التي يصعب تخفيض الانبعاثات" مثل إنتاج الصلب والأسمدة والنقل والشحن الثقيل، وتشير الإعلانات الأخيرة الصادرة عن البلدان عالية الانبعاثات إلى أن التحول إلى الهيدروجين الأخضر قد يكون أكبر، ويأتي في وقت أقرب مما كان متوقعا، حيث أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن استثمارات هيدروجين أخضر بقيمة 2.3 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تزيد بنسبة 400 في المائة بحلول عام 2050، وستستهلك صناعة الصلب والنقل الثقيل في الهند حوالي نصف هذا الإنتاج.
وستنتج الصين، وفقا لأحدث خططها الحكومية، من 100 إلى 200 ألف طن من الهيدروجين المتجدد سنويا، وسيكون لديها أسطول من 50 ألف مركبة تعمل بالوقود الهيدروجين بحلول عام 2025.
هذه التحركات دفعت د. رالف كوني، الأستاذ في المواد المتقدمة بجامعة أوكلاند بأستراليا، إلى التفاؤل بمستقبل أفضل لهذه الطاقة، بل اعتبر خلال مقابلة خاصة مع بوابة "العين الإخبارية"، الاتجاه لها مؤشرا على أننا لم نضل الطريق نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.. وإلى نص الحوار.
بداية: مع المزايا التي توفرها طاقة الهيدروجين الخضراء، هل تعتقد أنها يمكن أن تكون بديلا كاملا للوقود الأحفوري؟
بمجرد إنشاء البنية التحتية للإنتاج الخاصة بالهيدروجين الأخضر، والذي سيحدث تدريجيا على مدار الثلاثين عاما القادمة، سيحل بديلا للوقود الأحفوري في وسائل النقل التي تتطلب طاقة عالية مثل شاحنات المسافات الطويلة والسفن العابرة للمحيطات والقطارات والطائرات، وسيلعب دورًا ثانويًا عبر تقنية خلايا وقود الهيدروجين في السيارات، جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا السائدة للبطاريات، التي تعمل بالطاقة الشمسية، في السيارات الكهربائية التقليدية، فتويوتا لديها بالفعل سيارة خلية وقود هيدروجين ناجحة في الإنتاج التجاري، وتخطط رولز رويس لسيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في المستقبل القريب، أي أنه باختصار، فإن تقنيات خلايا وقود الهيدروجين، ستحل بشكل كبير أو كامل محل الوقود الأحفوري بحلول عام 2050.
كثير من دول العالم، ترى أن العالم ليس مستعدا في الوقت الحاضر للتخلي عن الوقود الأحفوري ، فما ردك على ذلك؟
أخالفك الرأي، فقد أظهر استطلاع الأمم المتحدة للمناخ (2021)، أن الأغلبية في جميع البلدان الـ 56 التي شملها الاستطلاع (1.2 مليون فرد شملهم الاستطلاع) اعتبرت تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري تهديدا خطيرا يتطلب إجراءات حكومية وصناعية أكبر وأكثر إلحاحا، بعبارة أخرى، هناك إجماع عالمي على أن العمل المناخي مطلوب بشكل عاجل.
وفي جميع البلدان تقريبا، هناك تحول جارٍ الآن إلى الطاقة الأكثر اخضرارا، ومن الواضح أن الحكومات التي تتجاهل باستمرار رغبات شعوبها بشأن الإجراءات المناخية ستُرفض في الانتخابات، والشركات التي لا تخاطب مستهلكيها بالحد من انبعاثات الكربون، سيرفضها المستهلكون، وبالتالي يفضل المستهلكون الشركات الأخرى التي تتمتع بأوراق اعتماد صديقة للبيئة، ونظرًا لأن تأثيرات المناخ على المجتمعات تصبح أكبر عاما بعد عام (العواصف والفيضانات والجفاف والمجاعات وما إلى ذلك)، سيصبح المستهلكون والمستثمرون أكثر تصميما في رفضهم للحكومات والشركات التي تهمل الإجراءات المناخية.
وما التقنيات المناسبة لإنتاج وقود الهيدروجين الأخضر دون استخدام طاقة الوقود الأحفوري في الإنتاج؟
التكنولوجيا السائدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الوقت الحاضر هي التحليل الكهربائي أو التقسيم الكهربائي للماء إلى هيدروجين وأكسجين مع طاقة متجددة تغذي التحليل الكهربائي، وتحقق من موقع "سيمنز جرين إنيرجي" على الإنترنت، للحصول على أمثلة على محللات الهيدروجين الكهربائية المتاحة بمقاييس مختلفة، كبيرة جدا حتى حجم الحافلة، وهناك ما لا يقل عن 20 مقنعا تجاريا رئيسيًا للمحللات الكهربائية، وسوف يرتفع هذا الرقم في السنوات القليلة القادمة، والتحلل الضوئي هو طريقة بديلة تظهر بسرعة ومن المؤكد أنها مهمة في مناطق مثل شمال إفريقيا وخاصة الجزائر التي تتمتع بميزة هائلة من الإشعاع الشمسي وإمكانات الرياح أيضا، بينما ما تشير إليه من استخدام طاقة الوقود الأحفوري في الإنتاج، فهذا يتعلق بالهيدروجين "الرمادي" أو "الأزرق" وهما مسار انتقالي نحو استخدام الهيدروجين الأخضر.
دائما تأتي تقارير المناخ بأخبار سلبية، فهل تعتقد أن العالم ضل طريقه نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، أم أنه لا يزال هناك أمل؟
نعم، هناك أمل، ولكن مع تغيير بعض المفاهيم، فالمسؤولية لا تقع على عاتق الحكومات المختلفة وحدها، فهذا التوجه ليس مفيدًا للغاية، فالحكومات تلعب دورًا مركزيًا في تنظيم وتحفيز التغيير إلى عالم أكثر تجديدا، لكنها لا تنتج انبعاثات كربونية، لذا فإن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الصناعة والمستهلكين والمستثمرين.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية والهند والصين مسؤولة عن 50٪ من الانبعاثات العالمية وما لم تقلل انبعاثاتها بشكل كبير سيكون من الصعب على جميع البلدان الأخرى الالتزام بالتعهدات، ولحسن الحظ، تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند في الأشهر القليلة الماضية بالتزامات كبيرة لتطوير مشاريع هيدروجين ضخمة، وزيادة التعاون بين الاقتصادات الرئيسية ستمكن من إحراز تقدم سريع نحو اقتصاد أخضر عالمي، تعد الصين الآن رائدة العالم في إنتاج مصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك تقنيات النقل الخضراء، والتي تولد بحد ذاتها التفاؤل بشأن المستقبل.
ويجب أن نؤكد هنا على أن إحجام الحكومات والقطاع الخاص على المدى القصير عن العمل لمعالجة المناخ، لا يأخذ في الاعتبار الجانب الآخر من المعادلة، وهو فقدان الأرواح البشرية، وكانت هناك دراسات حديثة نُشرت في أكثر المجلات العلمية احتراما (لانسيت ونيتشر) تتنبأ بأن تسخين المناخ الشديد خاصة في البلدان الاستوائية سيؤدي في وقت لاحق من هذا القرن إلى 25 مليون حالة وفاة خلال كل فترة 4 سنوات، وهذا هو أكثر من ثلاثة أضعاف معدل وفيات (كوفيد 19) على مدى السنوات الأربع الماضية وبينما توقفت الوفيات الناجمة عن (كوفيد 19) بعد 4 سنوات، فإن وفيات المناخ ستستمر، ويبدو أن هذا الرقم يشمل الأسباب الأخرى للوفاة الناجمة عن تغير المناخ مثل الجوع الناجم عن فقدان مصادر الغذاء الطبيعية أو الغرق من الفيضانات.