كيف تغيّر الأتمتة والذكاء الاصطناعي وجه المصانع؟

تشهد الشركات الصناعية، من الناشئة إلى العملاقة، تحولاً متسارعاً نحو اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة.
في ظل تصاعد الطلب على المنتجات، باتت أدوات مثل المراقبة التنبؤية، إدارة سلاسل التوريد الذكية، والرؤية الحاسوبية، عناصر أساسية في تحديث المصانع لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.
وضرب تقرير نشره موقع "بيزنس إنسايدر" مثلا بشركة Bausch + Lomb، الرائدة في تصنيع العدسات اللاصقة، وقال إنها واجهت تحديات كبيرة مع تنامي الطلب على العدسات اليومية. ولتلبية هذا النمو، تبنت الشركة نظام "Atlas" من شركة Arena AI، الذي يعتمد على مراقبة تنبؤية تتوقع الأعطال وترسل تنبيهات فورية للصيانة.
وبدأت التجربة في منشأة روشستر (نيويورك) عام 2023، وسرعان ما توسّع استخدام النظام إلى ثلاثة خطوط إنتاج إضافية. النتيجة كانت مضاعفة القدرة الإنتاجية لملايين العدسات، دون الحاجة لتوسعات ضخمة أو تغييرات هيكلية.
أما شركة Spot & Tango، المتخصصة في أغذية الكلاب الطازجة، فافتتحت أول منشأة تصنيع لها في بنسلفانيا. التحدي الأول تمثّل في تنسيق المواد الخام يدويًا، وتخطيط الإنتاج بحسب توافر المكونات. لكن بعد إدخال أداة AI من شركة Didero، أصبحت نحو 60٪ من طلبات الشراء تُنفذ تلقائيًا.
الأداة تعتمد على تحليل بيانات التوريد والطلب، وتقدم توصيات للإنتاج والنقل، مع إمكانية مراجعتها بشريًا. ويؤكد الفريق أن النظام ساعد على تقليل الأخطاء وتحسين الكفاءة بشكل واضح.
منتجات بأقل تكلفة
وشركة Prose، التي تنتج منتجات عناية شخصية مصممة حسب بيانات المستخدم، واجهت تحديات في بدايتها بسبب الاعتماد على عمليات تعبئة وصب يدوية، ما رفع تكلفة الوحدة الواحدة بنحو 5 دولارات.
وفي عام 2024، بدأت الشركة باستخدام روبوتات أتمتة، وطبقت أكثر من 200 خوارزمية لتحسين تركيبات المنتجات، جدولة الإنتاج، والتنبؤ بالأعطال. والنتيجة: تقليل التكلفة الإضافية إلى أقل من دولار، ورفع نسبة الأتمتة إلى 90٪ في مصانعها الثلاثة، بما في ذلك منشأة حديثة في كاليفورنيا.
أما شركة FranklinWH Energy Storage، التي تصنّع بطاريات منزلية ليثيوم-حديد، فقد أدخلت الذكاء الاصطناعي في مصنعها الجديد في كاليفورنيا باستخدام نظام رؤية حاسوبية متقدم لمراقبة الجودة. هذا النظام يكتشف العيوب في اللحظة الفعلية، ويمنع المشاكل قبل تفاقمها. في المقابل، فإن مصانعها في آسيا لا تزال تعتمد على الطرق التقليدية، لكن من المتوقع تحديثها لاحقًا بناءً على الخبرة المكتسبة في الولايات المتحدة.
ارتفاع في الاستثمارات
وفقاً لمسح أجرته KPMG في يوليو/تموز، يخطط 77% من قادة التصنيع في ثمانية بلدان لزيادة استثماراتهم في الذكاء الاصطناعي خلال عام 2026، وسط اقتناع متزايد بأن التقنية تمثل ميزة تنافسية استراتيجية.
لكن رغم الفوائد، لا تزال هناك تحديات كبيرة. من أبرزها مقاومة بعض الموظفين للتغيير، خاصة مع الخوف من فقدان الوظائف أو تغير أساليب العمل. كما تتطلب هذه الأنظمة بيانات دقيقة وتدريبًا مستمرًا. فقد حذرت شركات مثل Spot & Tango من الاعتماد السريع على وعود البائعين، مشيرة إلى ضرورة التحقق العملي قبل تبنّي أي حل تكنولوجي.
ورغم التوسع في الأتمتة، تؤكد معظم الشركات أن الدور البشري لا يزال محوريًا، لكنه يتغيّر من تنفيذ مباشر إلى الإشراف وتحليل قرارات الذكاء الاصطناعي. والتحدي الأكبر يكمن في تحقيق توازن فعّال بين الاعتماد على الأنظمة الذكية وبين الحفاظ على الخبرة البشرية.
وتُظهر تجارب Bausch + Lomb، Spot & Tango، Prose، وFranklinWH أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا مستقبليًا، بل ضرورة تنافسية في الحاضر. ومع تزايد التحديات في سلاسل التوريد وضغوط الجودة والتسليم، تبدو الشركات التي تبدأ باختبارات صغيرة وتتبنى التحول التدريجي هي الأقدر على جني المكاسب المستدامة.