«القتل الآلي» مطروح.. «الزوارق المسيرة» تُعمق تحديات الحرب البحرية

برزت الحرب في البحر الأسود كمختبر حاسم لتقنيات الحرب الحديثة، بعد أن أثبتت الزوارق المسيرة الأوكرانية من طراز «ماغورا» فاعلية لافتة.
هذه الزوارق الصغيرة، بحسب موقع مجلة "ريسبونسبول ستيت كرافت"، نفذت هجمات انتحارية دقيقة استهدفت سفناً حربية وبنىً تحتية، وعمليات متزامنة أربكت منظومات الدفاع الروسية.
وكان نجاح هذه الزوارق الصغيرة دافعا إلى تسارع الاهتمام والاستثمار في تكنولوجيا السفن ذاتية التشغيل، فتدفقت رؤوس الأموال المغامرة على القطاع، وضخت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مئات الملايين من الدولارات في عقود تطوير، ما مكّن شركات ناشئة مثل «سارونيك» و«بلاك سي» و«بلو ووتر أوتونومي» من إطلاق جيل جديد من السفن البحرية غير المأهولة.
تتنوع أحجام هذه المنصات بين زوارق صغيرة بحجم قارب تجديف، وسفن سطحية مسيرة كبيرة (LUSVs)، وصولاً إلى غواصات ذاتية التشغيل. تتنوع وظائفها بين المراقبة والدوريات ونقل الإمدادات، وصولاً إلى مهام قتالية مباشرة كإطلاق صواريخ أو تنفيذ هجمات انتحارية، وغالبًا تُنفَّذ هذه العمليات عن بُعد عبر مشغلين بشريين.
المبررات الاستراتيجية
يرى المحللون أن لهذه التقنية مزايا استراتيجية ملموسة. فوفق خبراء "مؤسسة راند"، يمكن للسفن غير المأهولة أن تتحمل المهام الأخطر — مثل إيصال الإمدادات أو الاستطلاع — ما يخفف تعرض البحارة للمخاطر.
كما تُعدّ هذه المنصات وسيلة محتملة لاختراق مناطق «الحرمان البحري» التي تمنع فيها أنظمة صواريخ بعيد المدى السفن المأهولة من الاقتراب.
وبالنظر إلى تقلّص حجم الأسطول الأمريكي نتيجة إخفاقات برامج بناء السفن التقليدية، تُطرح هذه المنصات كحل عملي لردع النقص في القدرات البحرية بتكلفة أقل.
لكن الطريق نحو أساطيل آلية يكتنفها عدد من التحديات. فقد سجلت تجارب الاختبارات الأمريكية حوادث اصطدام وأعطال برمجية وبشرية، مما يثير تساؤلات عن جاهزية هذه الأنظمة للاستخدام في معارك حقيقية.
ويشير خبراء الحدّ من الأسلحة إلى أن تكنولوجيا إدارة سفن سطحية كبيرة لم تبلغ بعد درجة النضج المطلوبة للعمل باستقلالية تامة.
الأخطر من ذلك أن نشر هذه السفن في مياه متوترة قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود، كما في بحر الصين الجنوبي، حيث قد تفسّر قوى نافذة وجود أنظمة غير مأهولة على أنه تهديد يتطلب رداً سريعاً قد يخرج عن السيطرة، وضعف الوضوح بشأن نوايا هذه المنصات يزيد من احتمالات سوء الفهم والمواجهة العرضية.
قضايا أخلاقية
تثير هذه التطورات أسئلة أخلاقية وأساسية حول من يتخذ قرار إطلاق النار.
وحتى الآن، صُمِّمت معظم المنصات بحيث يبقى «الإنسان في الحلقة» لاتخاذ القرار النهائي، لكن هناك ضغوطاً داخل الأوساط العسكرية والصناعية لإزاحة العنصر البشري بدعوى سرعة الاستجابة.
وتحذّر منظمات مدنية وخبراء من أن تفويض الآلة بقرار القتل يفتح بابًا لمخاطر لا يمكن التراجع عنها، ولا يقلق فقط من الأخطاء التكتيكية بل من فقدان المسؤولية القانونية والأخلاقية.
بالإضافة إلى ذلك، يثير انتشار الغواصات الذاتية التشغيل مخاوف استراتيجية عميقة: فإذا أصبحت الغواصات النووية أكثر قابلية للكشف والتعقب، فقد تضعف استراتيجيات الردع القائمة، وتزيد احتمالات استخدام السلاح النووي انطلاقاً من مخاوف فقدان القدرة على تنفيذ "الضربة الثانية".
والرهان على السفن البحرية الذاتية التشغيل ينبع من رغبة مشروعة في حماية الأفراد وتقليل التكلفة التشغيلية للصراع. لكن الفائدة المرجوة لن تتحقق تلقائياً بمجرد إدخال الطائرات والسفن المسيرة إلى الميدان.
والعبرة في كيفية تصميم هذه الأنظمة، وإطار الحوكمة والقواعد الأخلاقية والقانونية التي تحكم استخدامها ونشرها. بدون ضوابط واضحة وحوار دولي جاد، قد يحوّل السعي لإنقاذ الأرواح في البحر إلى مدخل لعصر أكثر هشاشة وخطورة، لا يطال البحارة فقط، بل يؤثر على الأمن والاستقرار العالميين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز