شارع محمد الخامس بالرباط.. ملتقى السياسة والتاريخ والحب
قد يكون أول مكان تطأه قدمك في عاصمة المغرب، فعند خروجك من محطة قطار الرباط المدينة، تستقبلك نافورة واسع قطرها وشاهقة مياهها.
دون أن تشعر، ستأخذ نفساً عميقاً، شساعة المكان، وانتشار النخيل والأشجار فيه، سيجعلك تتنفس بعمق بشكل لا إرادي. لكن لا تخف إن وجدت المكان مُكتظاً بالمُتظاهرين، أو مليئاً برجال الأمن. ولا تستغرب إن وجدت الناس يتزاحمون للوصول إلى منصة فيها مُغنٍ أو فرقة استعراضية، وربما ستجد المكان مغلقا بالكامل في وجه الحركة، لأن قافلة استعراضية ستمر بعد لحظات.
أياً كان الوضع هُناك، فأنت في شارع محمد الخامس، شارع مهما جلست، أو تمشيت على جنباته، لن تُحس بالملل، لأنك في القلب النابض للعاصمة المغربية الرباط.
شارع التاريخ
قد يُخيل إليك من أول وهلة أنه شارع عادي، إلا أنك بمجرد الجُلوس إلى أحد أبناء مدينة الرباط القُدامى، تكتشف أن لكل رُكن منه تاريخاً طويلاً وحكاية أطول.
فالشارع الذي يمتد على حوالي ثلاثة كيلومترات، كان شاهداً، ولا زال، على تاريخ المغرب الغني، منذ الاستعمار حتى الاستقلال، مرورا بالمحاولات الانقلابية الفاشلة، والعديد من المحطات الأخرى، ناهيك عن تخليده زيارات أبرز زعماء العالم للمغرب، ومرور مواكبهم منه.
حيثما بدأته تجد عبق التاريخ، يقول الحاج أحمد الكوري لـ"العين الإخبارية"، يكفيه شرفاً أنه يحتضن أهم المؤسسات الدستورية في البلاد، وهي البرلمان بغرفتيه، وطرفاه يربطان المغرب العتيق بنظيره الحديث.
جلس بجلبابه المغربي الأنيق الذي يحتوي جسده النحيل، اتكأ على عُكازه الخشبي، يُلقي عليه بما تبقى من ثقله الموضوع على كُرسي المقهى، يتأمل الشارع بينما يلوك لسانه داخل فاه الفارغ من الأسنان.
يحك ذقنه الذي يحرص يوميا على حلاقته، ثم يُشير ببطء إلى طرف الشارع في اتجاه البحر، مستخدما عكازه المزركش. هُناك، شكل آخر للشارع، يخترق المدينة العتيقة للرباط، وينتهي إلى بعض مآثر الرباط التي تعود لقرون خلت.
يضع الحاج أحمد من جديد عكازه على الأرض، ثم يحرك سبابته على طول الشارع، انتهاء بأقصاه، حيث تنتصب مئذنة عتيقة. من هُنا مرت آلاف المواكب الرسمية، إما لملوك المغرب وأولياء عهدهم، أو لضيوف عظام من ملوك ورؤساء جاؤوا للرباط.
الكوري، الذي عمل في وقت سابق في أسلاك التعليم، كشف لـ"العين الإخبارية"، عن مكانة رفيعة لشارع محمد الخامس والعديد من أسرار معالمه.
فمبنى البرلمان الذي يُراقب أشغال الحكومة، ويُشرع القوانين، كان في وقت سابق، أيام الاحتلال الفرنسي محكمة تحت سلطة الحماية الفرنسية، وظل على هذا الحال لثلاثة عقود إلى أن نالت المملكة استقلالها، فتم تحويله إلى مقر لبرلمان البلاد بغرفتيه، عام 1963.
في الجهة المُقابلة له، ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، ينتصب فندق باليما التاريخي، ذو الساحة المُشجرة، والمقهى العريق، بنوافذه المرصوصة بعناية دقيقة.
باليما، المُغلق منذ سنوات لترميمه وتجديده، كان قبلة الكثير من ضُيوف المغرب، حل به عبد الحليم حافظ، وأقام به شيفارا، والعديد من المشاهير.
مسجد السنة
تترك البرلمان على يمينك، وفندق باليما على يسارك، ثُم تترجل ماشياً نحو أعلى الشارع، تتجاوز محطة القطار الرباط المدينة التي تأسست عام 1925، وتمضي إلى أن تصل إلى مسجد السنة أعلى الشارع.
ما إن تدلف إليه، حتى تستقبلك الزخارف المغربية الأصيلة، ممر صغير، ففناء واسع تتوسطه نافورة مياه يتحلق حولها من يُريد الوضوء استعداداً للصلاة. تُحيط بها أقواس وأبواب تأخذك إلى داخل المسجد، حيث ينقلب صخب شارع مُحمد الخامس والشوارع المحيطة به، هدوءاً وسكينة.
مسجد السنة من أقدم المعالم الأثرية بالعاصمة الرباط، بناه السلطان العلوي مولاي محمد بن عبدالله، الملقب بمحمد الثالث، عام 1785 ميلادية، وخضع لعدة عمليات ترميم، كان آخرها في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
وفي عام 1969 وذلك في عهد الملك الحسن الثاني حيث تم تغيير موقع المئذنة وإعادة بنائها بالكامل. فيما تم إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2012، كجزء من الرباط.
سياسة وحب
في شارع محمد الخامس بالرباط، لن تجد المآثر التاريخية لوحدها، أو مُحتجين يرفعون مطالب ما، ستلتقي أيضا شبابا في بداية مشوارهما الأسري، وستلمح عيناك أطفالا يُطاردون الحمائم المنتشرة في محيط البرلمان، أو تلك التي تشرب من مياه النافورة الكبيرة هُناك.
في الشارع، أو بعض المقاهي المُحيطة به، ستلتقي برلمانيي البلاد، أو بعض الوزراء،منهم من يشتري الجرائد، وآخرون يرتشفون القهوة ويُناقشون بعض الملفات، وغير بعيد منهم، أو إلى جانبهم في نفس الطاولة، صحفيون يقتنصون آخر الأخبار، ويترصدون سبقاً صحفياً، يتصدر أعداد الجرائد لليوم الموالي، أو يُكسب مواقعهم تمزياً وزواراً أكبر.
ساعة أو اثنتان تفضيهما في هذا الشارع، صحفياً كُنت، أو حبيبا، وربما سياسياً أو سائحا عادياً، ستجد النضال والسياسة والراحة، ممزوجون بعبق التاريخ والسياحة وأمجاد الوطن، في فسيفساء فريدة تأسر روحك وتجذبك لزيارة المكان مرات ومرات.
aXA6IDE4LjIxNy4yMjQuMTY1IA== جزيرة ام اند امز