مراكش المغربية.. "بلاد الله" تحت حراسة 7 رجال
يعود أصل تسمية المدينة إلى "أموراكوش" وهي عبارة أمازيغية تعني "بلاد الله"، إذ سُميت بهذا الاسم لكثرة العلماء والمتصوفة بين أزقتها
هي قلب سياحة المغرب النابض، ومنبع البهجة والنكتة، عُمرها يُناهز القرون الـ10، يشد إليها الرحال عُشاق السياحة من شتى بقاع العالم للاستمتاع بمآثرها وشمسها الساطعة، وفي الماضي كان رحال المُتصوفة والطلبة يقصدونها للاغتنام من عُلمائها، والتتلمذ في مدارسها.
المدينة الحمراء، جوهرة الجنوب، أو كما تُسمى بشكل رسمي منذ قرون "مُراكش"، هي مدينة مغربية، تقع جنوبي المملكة عند سفوح جبال الأطلس، بعيداً عن العاصمة الرباط بـ327 كيلومترا.
يعود أصل تسمية المدينة إلى "أموراكوش" وهي عبارة أمازيغية تعني "بلاد الله"، إذ سُميت بهذا الاسم لكثرة العلماء والمتصوفة بين أزقتها، كما يتداول المؤرخون والمغاربة لقباً آخر لها هو مدينة 7 رجال، نسبة إلى 7 من عُلماء المغرب ومتصوفته الذين أقاموا فيها، وذاع صيتهم في العالم الإسلامي أجمع.
سبعة رجال
وفي هذا الصدد، يقول المترجم والباحث المغربي، محمد الزكراوي، إن اسم مُراكش أعطي للمدينة التي كانت عاصمة للمغرب منذ عهد المرابطين في القرن الـ12 الميلادي، حتى قدوم الاحتلال الفرنسي.
وأوضح "الزكراوي" لـ"العين الإخبارية"، أن المدينة اشتهرت بعُلماء تركوا بصمة راسخة، كان يشد لهم الرحال، الشيء الذي جعلها تُسمى بمدينة (سبعة رجال)، وذلك في إشارة إلى 7 علماء عاشوا بالمدينة واضطلعوا بدور كبير في نشر الوعي السياسي والفكري والتربوي وسط سكانها، وهم يوسف بن علي الصنهاجي، والقاضي عياض بن موسى اليحصبي، وأبوالعباس السبتي، ومحمد بن سليمان الجزولي، وعبدالعزيز التباع، ومحمد بن عجال الغزواني، وعبد الرحمن الضرير".
صاحب الغار
وبحسب الباحث في التاريخ، رشيد بهيج، فسيدي يوسف بن علي الصنهاجي، أو كما يُعرف بين المغاربة من عامة الناس بـ"مول الغار"، أي صاحب الغار، نسبة إلى خلوته الطويلة في غار نواحي مراكش.
ويوضح بهيج لـ"العين الإخبارية"، أن الرويات تقول إنه في القرن السادس للهجرة أصيب بالجذام، فاضطر للرحيل والعيش في كهف بالقرب من حارة الجذامى، ليتفرغ للذكر والعبادة والتهجد، قبل أن يصير مثالاً للصبر والورع والتقوى، إلى أن مات عام 593 للهجرة، ودفن بـ"باب أغمات" بمراكش، ليصير ضريحه الذي يضم قبره وبعض شيوخ الصوفية، قبلة للمُتبركين، وحتى الباحثين والمُتصوفين.
قاضي ومتصوف
أما القاضي عياض، يقول بهيج، فنسبه يعود إلى اليمن، قبل أن يُسافر أسلافه إلى الأندلس، ثم فاس المغربية، فمدينة سبتة المغربية حيث ولد عام 373 للهجرة، وهناك نشأ وتعلم، قبل أن يعود للأندلس لإتمام تعليمه هناك.
عاد إلى مُراكش وكان أحد أشهر عُلمائها، وله عدة مؤلفات، لا تزال إلى اليوم مرجعاً لطلبة الشريعة، ومريدي الصوفية، وفقهاء الاعتدال.
ويفند بهيج بعض أعمال "عياض" قائلا إن من أعماله مجلد "الشفا في شرف المصطفى"، و"ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك"، "العقيدة"، و"شرح حديث أم زرع" و"جامع التاريخ"، "مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار"، والعديد من المؤلفات الأخرى، مشيراً إلى أن الجامعة الموجودة في مُراكش أطلق عليها اسمه تخليداً لمكانته الكبيرة في تاريخ المملكة.
كفيف عالم
ويُضيف المتحدث، أن من بين الرجال السبعة، الإمام عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد السُهيلي، بضم السين وتشديدها، الذي ولد بالأندلس في القرن السادس الهجري، إذ يُجمع المؤرخين على "كف بصره" في الـ17 من عمره، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصير من أعلام اللغة والحديث والفقه في الغرب الإسلامي، بعدما حفظ القرآن وتلقن علوم اللغة والعلوم بالأندلس.
ويوضح بهيج لـ"العين الإخبارية"، أن السهيلي توفي بمراكش، ودفن فيها، إذ عرف بالزهد في الدنيا والصبر على البلوى كما له مؤلفات كثيرة في علوم التصوف والشعر الصوفي.
صاحب خُلوة الـ40 سنة
أما أبوالعباس السبتي، فقد كانت ترسله والدته لتعلم الحياكة، حتى يؤمن لقمة عيش للأسرة بعد وفاة والده، لكنه كان يفر من المعمل ليلتحق بكُتاب الشيخ أبي عبدالله محمد الفخار.
ويوضح المؤرخ أن أم السبتي كانت تنهره، وتعيده للمعمل، قبل أن يتدخل شيخه طالباً منها تركه يطلب العلم، مُتعهداً بدفع مبلغ مالي لها مقابل ذلك.
استقر بمراكش، عام 539 للهجرة، وعمره لا يتجاوز الـ16 سنة، وبسبب الحصار الذي كانت تعيشه المدينة جراء الحرب بين الموحدين والمرابطين، صعد إلى جبل قرب المدينة.
وتقول الكتب إنه اختلى هُناك رفقة خادمه حوالي 40 سنة، قبل أن يستدعيه المنصور حاكم مُراكش آنذاك، ليمنحه داراً للسكن، ومدرسة لتلقين علوم الدين والتصوف للناس.
صاحب الدليل
يسترسل بيهج في تعداد مناقب رجال مُراكش، موضحاً أن سيدي محمد بن سليمان الجزولي، المولود في القرن التاسع للميلاد، بأحد أقاليم سوس (تبعد عن مراكش بحوالي 120 كيلومتر)، لا يزال إلى اليوم يحظى بمكانة عظيمة لدى الطُرق الصوفية في العالم بأسره، وخاصة كتابه "دلائل الخيرات".
ويوضح أن هذا الكتاب تتخذ منه بعض الطرق الصوفية ورداً يومياً يقرؤه مريدوها، إذ يضم صيغاً مُتعددة من الصلاة على النبي محمد عليه السلام. كما أنه مؤسس الطريقة "الجزولية"، وهي طريقة صوفية تقوم على حب الرسول ومداومة الصلاة عليه، وذكر الله.
ورغم أنه لم يُقم بمُراكش، ولم يمت بها، إلا أن سيرته وصلاحه دفعا الأمير أبي عبدالله القائم، أحد مؤسسي الدولة السعدية، إلى إصدار أوامره بنقل رُفاته من منقطة تُدعى "أفوغال"، إلى مراكش حيث لا يزال مدفوناً بـ"رياض العروس"، وهو مكان يجتمع فيه سنويا وحتى اليوم أتباع الطريقة الجزولية.
صاحب الطابع وتلميذه
وخامس رجال مراكش، هو سيدي عبدالعزيز التباع، نسبة إلى اتباعه للرسول عليه الصلاة والسلام، والاقتداء به.
يقول بهيج، إن العامة يعتقدون أن "التباع" له كرامة تُداوي "بلادة الأطفال" و"القروح الجلدية" و"القرع" و"مرض العينين والزهري".
ويُشدد المتحدث على أن هذه الكرامة تبقى مُجرد مُعتقدات شعبيية، لكن الثابت لدى المؤرخين أنه كان رجلاً ورعاً وصالحاً، يُلقب بـ"صاحب الطابع"، في إشارة إلى الإذن بالتربية عند الصوفية، كما عُرف عليه اهتمامه الكبير بالفلاحة والأرض.
aXA6IDMuMTQyLjEzMS41MSA= جزيرة ام اند امز