الفلسطيني أسامة العيسة: "أدباء منظمة التحرير" سقطوا مع أوسلو
الروائي الفلسطيني أسامة العيسة يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن فلسطين وأدبها وأدبائها وانقسامهم وتزاحمهم على المناصب بعد اتفاقيات أوسلو.
قال الروائي والباحث الفلسطيني أسامة العيسة
إن اتفاقيات أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أسقطت الكثير من "أدباء منظمة التحرير الفلسطينية"، الذين وصفهم بأنهم "قدموا أنفسهم وكأنهم يكتبون بالدم لفلسطين، وجاءت هزيمة أوسلو لتكشف تزاحمهم على المناصب".
والعيسة، المولود في بيت لحم بفلسطين عام 1963، انفرد عن أبناء جيله من الروائيين الفلسطينيين بالكتابة عن المكان، وتتبع حكايات المهمشين. وصدرت له عدة روايات لاقت رواجاً.
ومن أشهر روياته: "مجانين بيت لحم" التي فازت بجائزة الشيخ زايد للكتاب العام 2015، و"قط بئر السبع"، و"المسكوبية"، و"جسر على نهر الأردن"، و"وردة أريحا"، و"قبلة بيت لحم الأخيرة"، فضلاً عن مجموعات قصصية وأبحاث لأفلام تسجيلية عن الثقافة والسياسة في فلسطين، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية.
وأوضح العيسة في حواره مع "العين الإخبارية" أن القضية الفلسطينية بما فيها من أحداث دراماتيكية، لا تزال تثير الأدباء، فهي معين لا ينضب للأعمال الإبداعية، مؤكداً أنه لم يكتب في ملحمتها إلا سطر واحد، وإلى نص الحوار.
من الأدباء الذين تأثرت بهم وكانوا مصدر إلهامك؟
تأثرت في بداياتي الأدبية بأدب المقاومة الفلسطيني، وبالأديب إميل حبيبي، الذي أعتقد أنه أهم كاتب فلسطيني ظهر خلال القرن الـ20، وتأثرت بعدد من أدباء العالم مثل همنجواي، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وبابلو نيرودا وغيرهم، لكن الأقرب إليَّ من ناحية إبداعية هما إميل حبيبي ونجيب محفوظ.
كيف ترى واقع الرواية الفلسطينية وطبيعة التحديات؟
لست ملماً بواقع الرواية الفلسطينية بشكل تام، لكثرة الإصدارات، وتعدد أماكن صدورها، وصعوبة المتابعة والقراءة، لكن يمكنني التحدث عن مسارين متوازيين، قد يلتقيان.
الأول، الرواية التي يكتبها فلسطينيون داخل الأراضي المحتلة، والثاني التي يكتبها فلسطينيون يعيشون في الشتات ومسرحها الأرض المحتلة، وبغض النظر عن المستوى الفني للكتاب من الجانبين، لا أنصح أي كاتب بالكتابة عن مكان لا يعرفه، أو يأتي لزيارته بضعة أيام أو أسابيع ليكتب عنه لأن المشاعر الوطنية، والرغبات الحسنة، لا تصنع فناً.
التحديات التي تواجه الرواية الفلسطينية كثيرة، بعضها يشبه ما تواجهه الرواية العربية والأدب عموماً، كمشاكل النشر والتوزيع وانخفاض معدلات القراءة، وأخرى لها علاقة بواقع الاحتلال الصعب والقاسي، الذي يعمل كل بضع سنوات على تحطيم أي مظاهر مدنية في المجتمع الفلسطيني، فيكون على هذا المجتمع البدء من جديد، بما في ذلك ما يتعلق بالثقافة.
وماذا عن روايتك الأخيرة "جسر على نهر الأردن"؟
تقع أحداث الرواية قبل وخلال وبعد حرب يوينو/حزيران التي انتهت بهزيمة مدوية عام 1967، واحتلال ما تبقى من فلسطين الانتدابية، ومعها أراض عربية؛ مصرية، وأردنية، وسورية.
تتحدث الرواية عن مجند استدعي قبل الحرب، وتقع الحرب خلال خدمته، ويبحث عن الحرب ليشارك فيها، ولكنه يجد نفسه مهزوماً مع جيشه إلى شرق الأردن، ويعود لاحقاً متسللاً إلى فلسطين المحتلة، ليشارك في العمل الفدائي.
وكيف تختلف الأجواء عن روايتي "وردة أريحا" و"المسكوبية"؟
في رواية وردة أريحا، محاولة لرصد تطورات المجتمع الفلسطيني في القدس وبرها الجنوبي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتنتهي بالنكبة.
أما في رواية المسكوبية، فثمة غوص في عالم معتقل المسكوبية بالقدس، الذي يطلق عليه الفلسطينيون اسم المسلخ، لما يواجهه الأسرى من تعذيب، وكذلك يقدم قدس أخرى، غير معروفة، من خلال عوالمها التحتية وتنوعها الاثني والديني.
القدس حاضرة في الكثير من أعمالك خاصة رواية "المسكوبية".. هل توثق أدبيا لصراع المدينة؟
حضرت القدس في معظم ما قدمته من روايات، وكتب بحثية، وحاولت تقديم القدس، بخلاف ما تقدم في وسائل الإعلام.
لكل منا قدسه، ولي قدسي التي أقدمها لقارئ تعود على تلقي قدس أحادية، في الخطاب السياسي والفن التلفزي، والمسرحي، والأدب.
هل تعتقد أن القضية الفلسطينية استنفدت من ناحية الإبداع الأدبي؟
بالطبع لا، فالقضية الفلسطينية بما فيها من أحداث دراماتيكية تستفز الأدباء، معين لا ينضب للأعمال الإبداعية، وأعتقد أنه لم يكتب في ملحمتها إلا أقل من سطر، خصوصاً على المستوى الفلسطيني-العربي، بل إن ما كتب عنها في هذا الفضاء لا يخلو من سطحية ورومانسية.
هل يعني التفاتك للوراء دائما حنينا للهوية الفلسطينية أم مساءلة للماضي؟
أنشغل دائماً بالزمان والمكان الفلسطينيين، وأحاول رصد كيف تمكن شعب صغير من الحفاظ على هويته خلال أكثر من 8 آلاف عام متواصلة، رغم الاحتلالات المتعاقبة التي لم تتوقف.
أحاول، روائياً فهم ذلك من خلال حركة الناس في التاريخ، وأساطيرهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأديانهم.
ما أهمية الدور الذي يقع على عاتق المثقف في الواقع الفلسطيني؟
مشكلة المثقفين في فلسطين بشكل عام، هو عدم الاستقلالية، وتبعيتهم للفصائل والأحزاب التي فقدت مبرر وجودها، وهذا يجعل من دورهم محدوداً، وفي أحسن الأحوال أبواقاً للسياسيين، لذا فلم يقدموا شيئاً مختلفاً عن السياسيين، بالطبع هناك استثناءات مدهشة، كحالة المرحوم إدوارد سعيد مثلاً.
هل توافق على أن هناك ما يمكن تسميته أدب ما قبل أوسلو، وأدب ما بعد أوسلو؟
بعد أوسلو، سقط الكثير من كتابات أدباء منظمة التحرير، الذين قدموا أنفسهم بأنهم يكتبون بالدم لفلسطين، وجاءت هزيمة أوسلو لتخبر القراء، كيف يتزاحم كتّابه على المناصب.
بعد أوسلو، حدث شبه جدب أدبي، وشيوع أشعار وكتابات مغرقة في الذاتية، ومنذ سنوات برزت أصوات أدبية حققت حضوراً محلياً وعربياً.
هل تعتقد أن الانقسام الفلسطيني سينعكس على الأدب الفلسطيني لاحقاً؟
الانقسام سيطول، ولم يعد إنهائه أولوية لدى الرأي العام الفلسطيني، ولا أستطيع تحديد وقعه على الأدب إلا من خلال انتماءات الأدباء إلى هذا الطرف أو ذاك، وهي عصبيات لها علاقة بمصالح ذاتية، ولا تتخطاها إلى الأدب، حتى الآن، وبحدود قراءاتي، على الأقل.