عرفه الأمريكيون بالرجل الثاني في قيادة تنظيم القاعدة، لكن الحقيقة هي أن أيمن الظواهري، كان القائد "غير الجذاب" للتنظيم الإرهابي الأكثر شهرة في العالم.
الظواهري الذي أعلن مقتله في ضربة أمريكية بواسطة طائرة مسيرة، في عملية دقيقة بالعاصمة الأفغانية كابول، الأسبوع الماضي، كان قد توجه إلى أفغانستان، ليبدأ رحلة التطرف من هناك.
وتكشف صحيفة "إندبندنت" البريطانية، كيف كانت بداية هذا المسار على يد تنظيم الإخوان المسلمين.
بداية الطريق من عيادة الإخوان
تقول الصحيفة إن الظواهري أثناء عمله في إحدى عيادات الإخوان المسلمين، تلقى دعوة للقيام بأول زيارة لمخيمات اللاجئين على طول الحدود الأفغانية الباكستانية.
وهناك، عمل طبيبا في المستشفى الميداني لعلاج "المجاهدين" الذين كانوا يقاتلون السوفييت بأفغانستان، والتقى مع الشاب السعودي، أسامة بن لادن، الذي سيصبح فيما بعد زعيم تنظيم القاعدة الأشهر.
في ذلك الوقت، كان الظواهري منشغلاً بإدارة جماعته "الجهاد الإسلامي"، فقد شنت تلك الحركة الإرهابية سلسلة من العمليات في أوائل الثمانينيات لاغتيال قادة مصريين ولعبت دورًا في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981.
حوكم الظواهري بعد ذلك، وعرفه الجميع كقيادي متطرف، وتم الإفراج عنه بعد أن قضى حكماً بالسجن ثلاث سنوات.
عقب خروجه من السجن، تعددت زيارات الظواهري إلى جنوب آسيا ووجد مكانه مع المتطرفين ومع بن لادن نفسه، الذي اعتمد على المتشدد المصري كطبيب شخصي له.
وقد عززت جهود الظواهري في تقديم المساعدة للأفغان في مواجهة القصف السوفيتي لأفغانستان من سمعة الطبيب بين الإرهابيين، فضلاً عن صداقته الدائمة مع بن لادن.
قام الظواهري بزيارة واحدة على الأقل للولايات المتحدة في التسعينيات، وهي جولة قصيرة في مساجد كاليفورنيا تحت اسم مستعار لجمع الأموال للجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم للاجئين الأفغان.
في الوقت نفسه، واصل الضغط على أتباعه المصريين نحو هجمات أكبر وأكثر إثارة في الداخل، معتقدًا أن مثل هذه التكتيكات الوحشية المروعة ستجذب انتباه وسائل الإعلام وتطغى على الأصوات الأكثر اعتدالًا التي تدعو إلى التفاوض والتسوية.
الاندماج مع القاعدة
أثناء إقامته في أفغانستان في عام 1997، ساعد الظواهري في التخطيط لهجوم وحشي على السياح الأجانب في أحد معابد الأقصر الشهيرة في مصر، العملية التي استمرت 45 دقيقة، وأودت بحياة 62 شخصًا، بينهم سائحون يابانيون وطفلة بريطانية تبلغ من العمر خمس سنوات وأربعة مرشدين سياحيين مصريين.
تسببت المجزرة في نفور المصريين العاديين، وتبخر دعم الظواهري وجماعته الإرهابية، بعد ذلك بوقت قصير، أخبر الظواهري أتباعه أن العمليات في مصر لم تعد ممكنة وأن المعركة ستتحول إلى إسرائيل وحليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة. واندمجت جماعة الجهاد رسمياً مع تنظيم القاعدة الذي يتزعمه بن لادن الأكبر حجماً والأفضل تمويلاً.
كان الظواهري أحد كبار مستشاري بن لادن في وقت وقوع أول هجمات إرهابية بارزة للقاعدة؛ وهي تفجيرات عام 1998 لسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا. وبعد ثلاث سنوات، عمل من قاعدة القاعدة في أفغانستان، حيث ساعد في الإشراف على التخطيط لما سيصبح أحد أكثر الهجمات الإرهابية جرأة في التاريخ؛ أحدث 11 سبتمبر.
مشروع الظواهري "البيولوجي"
كما أطلق برنامجًا طموحًا للأسلحة البيولوجية، وأنشأ مختبرًا في أفغانستان وأرسل تلاميذه للبحث عن علماء متعاطفين بالإضافة إلى سلالات قاتلة من بكتيريا الجمرة الخبيثة.
يعتقد مسؤولو المخابرات أن جهود الظواهري كانت ستنجح لو أمهله الوقت. ففي غضون أسابيع من انهيار مركز التجارة العالمي، أدت حملة عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة إلى طرد حلفاء القاعدة من حركة طالبان من السلطة في أفغانستان، وأجبرت الظواهري على التخلي عن معمل الأسلحة البيولوجية الخاص به.
واستهدفت الطائرات الامريكية مكاتب ومنازل قادة القاعدة بما في ذلك المجمع الذي يعيش فيه الظواهري، حيث قتلت زوجته تحت الأنقاض.
على الرغم من المطاردة المكثفة، استمر الظواهري في الظهور بشكل منتظم عبر مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه استمر أيضًا في قيادة العديد من العمليات الإرهابية، بما في ذلك حصار المسجد الأحمر في إسلام أباد في باكستان عام 2007، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص.
دفعت وفاة بن لادن عام 2011 الظواهري إلى قيادة التنظيم، وهو الدور الذي ربما لم يكن مناسبًا له بشكل مثالي. فقد فشل بأسلوبه العقلي الجاف، في إلهام الجماعات المتطرفة بنفس قوة بن لادن، أو القادة الأصغر سناً مثل أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس التمرد العراقي الذي أصبح فيما بعد تنظيم "داعش".
بعد اندلاع ما يسمى "الربيع العربي" سعى الظواهري إلى تأكيد سيطرته على مزيج الجماعات الإسلامية ذات القيادات المحلية التي تقاتل من أجل الهيمنة في سوريا والعراق وليبيا، لكن جهوده فشلت في النهاية.
اختار الفرع الرئيسي للقاعدة في سوريا، والذي عرف في البداية باسم جبهة النصرة، في نهاية المطاف أن ينأى بنفسه عن التنظيم الأم، رافضًا القبول رسميًا بسيطرة القاعدة. أما الفصيل الرئيسي الآخر، داعش فقد انفصل عن الظواهري بالكامل وتبرأ منه علنا.
في العقد الذي تلا ذلك، كان أنصار كلتا المجموعتين يتنافسون حول الإستراتيجية والتكتيكات وحتى المعتقدات الأساسية، لكن نادرًا ما كانوا يعودون إلى الظواهري طلبا للتوجيه أو حل خلافاتهم.
ظل الظواهري على هذا الحال، يدين له بعض فصائل القاعدة، في أفريقيا، رغم بعد المسافة، وعدم تأثير القيادة، إلى أن أنهت حياته غارة جوية بطائرة مسيرة تابعة لوكالة المخابرات المركزية في كابول الأسبوع الماضي.