"بوابة العين" داخل مركز الأزهر العالمي للفتاوى للتعرف على وسائله في محاربة الإرهاب بالفكر.
زجاج شفاف خلفه صرح كبير، يقودك إلى جوهر الدين، وقدرته على إيجاد الحلول التي تتفق مع صحيح الإسلام، وتراعي القوانين الحاكمة في مختلف المجتمعات دون تقييد بالزمان أو المكان.. ذلك هو مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية الذي يقدم الفتوى وفق منهجه الوسطي الصحيح.
ويقع مركز الأزهر العالمي داخل مؤسسة الأزهر الشريف شرقي العاصمة المصرية القاهرة، ويلاصقه المركز العالمي لمكافحة التطرف المنوط به رصد وتحليل جميع الخطابات المتطرفة التي تصدر عن الجماعات الإرهابية.
الشيخ تامر سلامة، المنسق العام لمركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، يقول لـ"بوابة العين" الإخبارية: إن الهدف من إنشاء المركز توصيل جميع الفتاوى في كافة القضايا والمسائل إلى كل مستفتًى، لافتا إلى أن المركز يقوم على الأنظمة الحديثة في توصيل الفتوى، لاسيما أن المجتمعات المسلمة كثيرة التساؤلات، وتريد الحصول على الفتوى بأسهل طريقة ممكنة.
الفتوى أينما كنت
"نحن معك.. لتصلك الفتوى أينما كنت"، هذا هو شعار المركز العالمي للفتاوى لنحو مليار ونصف المليار مسلم، بحسب المنسق الأزهري، مضيفا أنهم يحاولون من خلال المركز مواجهة التوظيف الأيديولوجي للفتاوى من جماعات الإسلام السياسي تارة، ومروجي "الإسلاموفوبيا" حول العالم الذين يحاولون غزو عقول المجتمعات تارة أخرى.
يتابع سلامة: نحن على قدر المنافسة لأننا نمتلك الأزهر الشريف بمنهجه الوسطي وهو المنهج الصحيح، وهذا ليس زعما منا، لكنه حقيقة تاريخية يشهد لها التاريخ لا الأفراد، وقد شهدت لها أمم، حيث شاء الله له أن يصبح القبلة التي ينظر لها العالم الإسلامي.
"الكل يتسابق الآن إلى الفتوى، ويفتي بغير علم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار"؛ لذا يوقن الأزهر تماما أنه يتحرى الدقة ويتمهل في إخراج الفتاوى؛ لأنه يعلم ويعتقد ويوقن أن هذا الأمر دين، وأن علماء الأزهر سيلقون الله بما أفتوا به الناس".
وينقسم مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية إلى مجموعة من الأقسام؛ منها قسم الفتاوى الهاتفية باللغة العربية، وفيه تتم إجابة السائل مباشرة عندما يتصل، على أن يكون القسم ملحقا بالمراقبة والمراجعة للفتوى أثناء عملية الإفتاء.
وتتضمن مراجعة الفتوى التأكد من 3 نقاط رئيسية؛ الأولى هي تصور المفتي للمسألة التي يطرحها السائل، وهل الإجابة كانت مطابقة للسؤال أو لا، والثانية هي الإجابة عن كافة الجزئيات أم حدث التباس فأجاب عن جزء وترك جزءا آخر، والأخيرة هل رحب بالمستفتي وهل دعا له وهل استشعر الرضا عن أداء الخدمة أو لا.
الاندماج.. أكبر شواغل مسلمي الخارج
أما القسم الثاني فهو قسم الفتاوى باللغات الأجنبية، وينقسم إلى 3 لغات هي: الإنجليزية والفرنسية والألمانية، والهدف منه إيصال الفتوى إلى المجتمع العالمي، خاصة أن المسلمين عندما يسافرون للمجتمعات الخارجية يجدون بعض الأمور التي تتصادم مع ثوابتهم.
ويأتي في مقدمة هذه الأمور، وفق المنسق الأزهري تامر سلامة، ملف الاندماج، مثل أن يكون أحدهم لديه مطعم في الخارج، ويدفع له إيجارا نهاية كل شهر، فماذا يفعل في نهار رمضان؟ هل يقدم الطعام لغير المسلمين أم ماذا؟ وهناك آخر لا يسمح له بترك العمل لمدة نصف ساعة لأداء الصلاة.. فماذا يفعل؟
يوضح الشيخ "سلامة" أن القضية تتعلق بدلالة الفتوى وليست الفتوى نفسها؛ لأن المفتي يأخذ في اعتباره البيئة والظروف المحيطة بالمستفتي، حتى يمكن تحديد الحدود التي ينبغي ألا يتخطاها المسلم وهو يعيش في مجتمع من المجتمعات الأوروبية، وما هي الأشياء القابلة للتغير في ظل الظروف والمجتمع هناك.
ملف آخر، من شواغل المسلمين في المجتمعات الغربية، وهو المعاملات البنكية المستحدثة، بحسب المفتي بقسم الفتاوى باللغات الأجنبية الشيخ الحسيني خليفة، الذي يوضح لـ"بوابة العين" الإخبارية أن هناك أسئلة ترد تتعلق بكيفية الاستفادة من الفوائد البنكية؛ كأن يستفسر البعض عن القروض التجارية لإنشاء منازل خاصة بهم.
ويتابع المفتي المسؤول عن قسم اللغة الفرنسية: مهمتنا إيجاد الحلول الإسلامية الصحيحة التي تتفق مع صحيح الدين وتراعي القوانين الحاكمة في تلك المجتمعات، فمثلا من أهم شواغل المسلمين في الغرب البحث عن كيفية الاندماج في تلك المجتمعات، خصوصا في ظل مفهوم العلمانية التي ترفض الرموز الدينية مثل الحجاب أو الصليب أو ما إلى ذلك من هذه الرموز وتعتبرها رموزا دينية تدل على شخصية الإنسان.
من أولى بفتاوى النساء؟
"من أولى بفتاوى النساء؟".. ظهرت الإجابة في قرار مركز الفتاوى العالمي بإنشاء قسم ثالث، وهو قسم الفتاوى النسائية، للرد على أسئلة النساء الحرجة، حتى يكون الأمر أيسر عليهن، ومن منطلق أن السيدات أكثر إلماما ببعض المسائل الخاصة بالنساء من الرجال، كما أنهن أكثر قدرة على تصور وضع المرأة من الرجال.
شيماء ربيع، المفتية بقسم فتاوى النساء، تقول لـ"بوابة العين" الإخبارية: إن القسم جديد ومعنيّ بالرد على فتاوى النساء؛ لأن بعض النساء قد تتحرج من الحديث مع الرجال، فيكون المجال أوسع أن تسأل سيدة مثلها، مشيرة إلى أن معظم الأسئلة التي ترد لقسم الفتاوى خاصة بأحكام النساء مثل الطهارة.
وتتابع ربيع: البعض الآخر خاص بالمسائل الخاصة بالأحوال الشخصية، ونحن نجيب في حدود ما يخص المرآة فقط، أما ما زاد عن ذلك نحوله لقسم الرجال.. كما أننا معنيون بالرد على الأسئلة عبر الهاتف؛ كي نرفع الحرج عن النساء، فيما هناك قسم آخر مختص بالرد على الفتاوى التي تصل عن طريق البريد أو الرقم الخاص بالرسائل.
مواجهة الفتاوى الشاذة والمتشددة أولوية
وبحسب الشيخ "تامر سلامة"، هناك قسم آخر معني بمتابعة الفتاوى المثارة على وسائل الإعلام المختلفة؛ سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية، للبحث في مضمونها وما إذا كانت مطابقة للمنهج الصحيح في الإفتاء أو لا، ومن ثم يتم تصحيح هذه الفتاوى دون ذكر مصدر مروجها.
يوضح المنسق الأزهري: هناك أشخاص يدّعون الفتوى، وهم ينتمون إلى جماعات أو فكر معين، فتكون فتواهم إما شاذة أو متشددة بهدف التوظيف الأيديولوجي من خلال استقطاب الناس إلى ناحيتهم، ويكون دورنا تجريد هذه الفتاوى ثم النظر فيها ثم الرد عليها، بعيدا عن أي حيثيات.
عين على "السوشيال ميديا"
ولم تقتصر أقسام المركز العالمي للفتوى على أقسام الفتاوى الهاتفية والنصية بقدر ما اهتمت بمواكبة الحداثة، فأنشأت قسمين؛ الأول قسم البوابة الإلكترونية، وهو قسم يتضمن تطبيقا على الهواتف الذكية لاستقبال أسئلة المستفتين، كما يرد على الأسئلة التي ترد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويسمح في الوقت نفسه بحملات التوعية على هذه الوسائل.
أما القسم الثاني فهو قسم البحوث، ومعنيّ بالقضايا المثارة والفتاوى المكررة التي تحتاج إلى أبحاث، وتكون مهمة المختصين عمل أبحاث متخصصة في الفتوى ثم تعاد مرة أخرى للعرض على هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ثم إذا اعتمدت تعود لتكون فتوى داخل المركز.