الجزائر تقاوم "غش البكالوريا" بقطع الإنترنت.. اقتصاد يخسر وشعب غاضب
خسائر يومية تقدر بـ30 مليون دولار نتيجة قطع الإنترنت بالجزائر لمنع الغش في امتحانات البكالوريا، وموجة استياء شعبي من تضرر مصالحهم.
تشهد الجزائر منذ الأحد الماضي، حالة من الاستياء الشعبي نتيجة لجوء السلطات لقطع الإنترنت، بهدف منع الغش في امتحانات شهادة البكالوريا (الثانوية العامة).
ومع امتحانات البكالوريا، يتخوف الجزائريون من تضرر مصالحهم وأعمالهم وتجارتهم نتيجة قطع الإنترنت، وانقسم الشارع بين طرف منتقد للقرار ووصفه بـ"الكارثة الاقتصادية"، وآخرين يصنفونه في خانة "الشر الذي لا بد منه في ظل تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات وتسريب الأسئلة".
ولجأت الجزائر خلال الأعوام الـ5 الأخيرة إلى قطع الإنترنت بكل أنواعه، من شبكة الهاتف الثابت إلى شبكات الهاتف النقال من الجيلين الثالث والرابع، في محاولة للحد من ظاهرة الغش في امتحانات البكالوريا، وهو الإجراء الذي لم يتمكن من ردع الظاهرة، في ظل وجود بدائل أخرى يلجأ إليها كثير من طلبة الامتحانات بالجزائر.
هاشتاج.. اتصالات الجزائر
وأطلق جزائريون مع بداية الأسبوع الحالي هاشتاج "#AlgerieTélécom" (اتصالات الجزائر) وهي الشركة الحكومية المسؤولة عن تنظيم قطاع الإنترنت والهاتف بالجزائر، وترجم رواد مواقع التواصل حجم غضبهم من خلال الهاشتاج من قرار قطع الإنترنت لنحو 9 ساعات كاملة في اليوم، رغم انعكاساتها الاقتصادية والتجارية على الشركات والأفراد.
واعتبر بعض منهم أن ذلك "يسيء لصورة الجزائر، وأظهرت للعالم عدم قدرتها على التحكم في امتحانات تجرى كل عام".
بينما عبّر آخرون عن استيائهم بسخرية، من خلال صور مفبركة لشعار شركة "اتصالات الجزائر" وبجانبها "سلحفاة" في إشارة إلى ضعف الإنترنت في البلاد، وبعضهم نشر صوراً للفنان الكوميدي البريطاني "مستر بين" وهو ينتظر مرور سيارة في مكان معزول، دلالة منهم "على طول انتظارهم عودة الإنترنت كل يوم".
وانتقد المغردون عدم تعويض الشركة الحكومية لزبائنها عن الخسائر الناجمة عن قطع الإنترنت، وعدم احتساب الساعات الضائعة في الفاتورة الشهرية، حيث يبلغ عدد مشتركي الإنترنت بجميع أنواعه في الجزائر أكثر من 35 مليون مشترك من أصل 45 مليون نسمة عدد سكان الجزائر.
150 مليون دولار خسائر
وكشفت وسائل إعلام محلية عن حجم الخسائر المتوقعة لشركات الاتصالات مع انتهاء امتحانات شهادة البكالوريا، الخميس، والتي ربما تصل إلى 150 مليون دولار، أي ما يعادل خسائر يومية بـ30 مليون دولار.
ولم تكشف بعد الشركات الحكومية والخاصة والأجنبية عن حجم خسائرها نتيجة توقف مصالحها بسبب قطع الإنترنت، فيما استثنت السلطات الجزائرية البنوك والمصارف من تعطيل الإنترنت.
الغش.. "أقوى من السجن والقطع"
وللمرة الأولى، سنت الجزائر، قبيل انطلاق امتحانات البكالوريا، قانوناً خاصاً لمحاربة ظاهرة الغش وتسريب الأسئلة في مختلف الامتحانات تصل عقوبتها إلى 15 سنة سجناً.
كما سخرت الجزائر، في سابقة هي الأولى من نوعها، فرقاً مختصة في الجريمة الإلكترونية لرصد أي محاولات تسريب الأسئلة عبر الهواتف أو مواقع التواصل، إذ تمكنت من توقيف العشرات منهم خلال 3 أيام فقط.
ورغم القانون الصارم واستمرار العمل بوقف الإنترنت طيلة فترة الامتحانات، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار ظاهرة الغش، وهو ما كشفته بيانات وزارة العدل الجزائرية، منذ الأحد الماضي، إذ أصدرت مختلف محاكم البلاد أحكاماً بالسجن ضد طلبة وأساتذة وموظفين تورطوا في عمليات غش أو تسريب أسئلة الامتحانات، وهو ما يعتبره الأخصائيون دليلاً على "عدم نجاعة قرار قطع الإنترنت".
وامتحانات الثانوية العامة هي الخامسة على التوالي التي تلجأ فيها الجزائر إلى مجابهة ظاهرة الغش بتعطيل شبكة الإنترنت، بعد الفضائح التي هزت قطاع التعليم سنة 2016، نتيجة عمليات تسريب واسعة لمواضيع الامتحانات.
وطالب أخصائيون في الإعلام الآلي وتكنولوجيا المعلومات وخبراء اقتصاديون من الحكومة الجزائرية ووزارة التعليم "تكييف إجراءاتها مع التطور التكنولوجي ومصالح البلاد الاقتصادية، وكذا مراجعة شاملة لتنظيم الامتحانات والاعتماد على تجارب دول رائدة".
ويرى خبراء اقتصاديون أن بكالوريا هذا العام أثبتت ما يرونه "تناقض مخططات الحكومة لعصرنة كل القطاعات والتوجه نحو توسيع التجارة الإلكترونية، في مقابل التعامل مع الإنترنت على أنها وسيلة عقاب".
وأعلنت وزارتا التعليم والبريد الجزائريتين، الشهر الماضي، عن اتفاقهما على "قطع الإنترنت طيلة فترة امتحانات البكالوريا"، مرجعة ذلك إلى "تأمين نزاهة الامتحانات".
فيما يرى أخصائيون أن التحكم في ظاهرة الغش مع التطور التكنولوجي "بات أمراً صعباً"، في ظل ما يقولون "قدرة كثير من الطلبة على استخدام التكنولوجيات الحديثة"، ولجوء كثير منهم إلى "VPN" بعد قطع الإنترنت لتسريب الأسئلة.