أزمات بغداد وأربيل تعود للواجهة.. إدارة السلطة وخزائن المال
ينذر القرار القضائي الذي استصدرته المحكمة الاتحادية في العراق بتفجر أزمة كبيرة بين بغداد وأربيل تضع الموازنة العام للبلاد وملفات سياسية شتى تحت مطرقة ذلك الخلاف.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا، أصدرت الأسبوع الماضي، قراراً، يقضي بإلغاء جميع القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان.
ونصّ قرارها على "الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في عامي 2021 و2022" بشأن تحويل الأموال إلى إقليم كردستان، مضيفة أن "الحكم باتّ وملزم للسلطات كافة".
وقرّرت الحكومة الحالية برئاسة السوداني، السير على نهج الحكومة السابقة ذاته، وأرسلت مبلغ الـ200 مليار دينار (حوالي 138 مليون دولار) شهرياً إلى إقليم كردستان، وأصدرت قراراً منتصف الشهر الحالي يقضي بإرسال 400 مليار دينار عن مستحقات شهرين.،وبعد قرار المحكمة الاتحادية، ستتوقف الحكومة عن إرسال أي مبالغ شهرية خلال الفترة المقبلة.
خلافات تتجدد بين بغداد وأربيل
وسجلت العملية السياسية ما بعد 2003، الكثير من محطات الخلاف الكردي مع حكومات بغداد المتعاقبة أغلبها كان يتمحور بشأن المناطق المتنازع عليها بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي النافذ، وحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية.
وبلغت ذروة الخلاف بين بغداد وأربيل إبان حكومة حيدر العبادي عقب إطار حكومة إقليم كردستان على إجراء استفتاء شعبي بشأن مصير كركوك وضمها لكردستان من عدمه مما أسفر عن تحركات عسكرية لأرتال من القوات البرية والمعدات العسكرية لإخضاع سلطة الإقليم لنظام بغداد.
وعلى الرغم من المعالجات ونقاط التوافق التي كانت ما تأتي عند اللحظات الأخيرة لأغلب الأزمات بين الجانبين إلا أنها دائما ما كانت مؤقتة وتنتهي بتقادم الأيام لتعود للظهور والتفجر مرة أخرى.
ومنذ عام 2014، تقدمت آبار النفط وقضية تصدير الخام من قبل حكومة إقليم كردستان على ملف الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل مما دفع بأزمة كبيرة معقدة بدت تظهر مع العام الأخير من معارك تحرير المدن من التنظيم الإرهابي.
ومكن اجتياح داعش لبعض مدن العراق في صيف 2014، فرصة لفرض سيطرة إقليم كردستان على العديد من الآبار النفطية في كركوك وأطراف نينوى على وقع انشغال بغداد بإدارة الحرب لتحرير مناطقها من سطوة التنظيم.
وكانت السلطات في كردستان قد أبرمت، قبل أكثر من عقد ونصف، عقوداً نفطية مع شركات عالمية كبرى لاستخراج وتصدير الخام في مناطق الإقليم والمتنازع عليها، أغلبها يأتي ضمن ما يعرف بـ"عقود المشاركة".
واعتمد الإقليم في إدارة موارده وفق قانون "النفط والغاز"، الذي شرع في برلمان كردستان عام 2007، والذي طعنت المحكمة الاتحادية بتشريعه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وكانت حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي بدأت بتحويل عدة دفعات بمليارات الدنانير لإقليم كردستان على شكل سلف خلال عامي 2021 و2022، والتي شكلت مثار جدل وخلاف بين القوى السياسية ببغداد.
وتأتي تلك الدفعات من الأموال إلى حكومة إقليم كردستان لمعالجة أزمة التأخر في السداد لشركات النفط الدولية المتعاقدة معها، فضلا عن تخفيف تراكم رواتب موظفي حكومة إقليم كردستان.
إنذار بتفكك تحالف السلطة
وفاء محمد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وخلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه "ليس بالجديد في تلك القرارات لطالما اعتاد عليها إقليم كردستان من بغداد".
ويضيف محمد ، أن "ما حدث يمكن تصنيفه بالخطة الخبيئة التي نظمتها العديد من الأطراف السياسية"، لافتاً إلى أن دخول "الديمقراطي في تحالف إدارة الدولة جاء وفق اتفاق لضمان تدفق الأموال من بغداد نحو كردستان".
وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعم السلطة في أربيل دخل في تحالف "إدارة الدولة"، الذي يضم قوى الإطار التنسيقي وتحالف السيادة عقب أزمة سياسة معقدة دخلتها البلاد على وقع النزاع على تشكيل الحكومة الجديدة والتي استمرت لقرابة عام.
وفي جملة ردود غاضبة، أبدى الزعيم الكردي مسعود البارزاني عن "أسفه "، إزاء قرار المحكمة الاتحادية واصفاً إياه بـ"الموقف العدائي ضد كردستان".
وأضاف بارزاني، في بيان رسمي، أن "تأمين جزء من المستحقات المالية لإقليم كردستان باعتبارها حقا مشروعا يعد جزءا" من الاتفاق السياسي الذي أدى إلى تشكيل الحكومة الحالية.
وتابع أن "قرار المحكمة الاتحادية، وقبل أن يكون ضد إقليم كردستان، فهو ضد العملية السياسية وضد الحكومة العراقية وضد برنامج ائتلاف إدارة الدولة".
رئيس مركز تفكير السياسي، إحسان الشمري يرى وخلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه "الديمقراطي وبما لا يقبل الشك بدأ بالتلويح بالانسحاب من (إدارة الدولة) عقب تعليق جلساته في اجتماعات التحالف وهو ما يدفع بولادة أزمة مستعصية جديدة بعد نحو شهر من خروج البلاد من عقدة مشابه".
ويشير الشمري إلى أن الحلول تكمن "في إيجاد اتفاقية جديدة بين بغداد وأربيل تضمن حصة الإقليم من الموازنة على وقع تفاهمات يضمن إرسال كردستان عائدات 400 ألف برميل إلى الخزينة الاتحادية وبخلاف ذلك سنكون أمام مشهد مرتبك ومعقد".
وسجلت الشهور الثلاث الأخيرة زيارات مكوكية لوفود رفيعة من كردستان العراق عند العاصمة بغداد لغرض إجراء التفاهمات بشأن حصة الإقليم في موازنة 2023، اقترب من خلالها الطرفان بوضع اللمسات الأخيرة قبل أن يأتي قرار المحكمة الاتحادية الأخير.