من توزيع "الزردة" إلى تقبيل "الشعرة".. بغداد تحتفل بالمولد النبوي
منذ أيام، تستعد بغداد لموعد عشق مع أحبة متفرقين اعتادوا اللقاء عند مرقد أبي حنيفة النعمان، عند رأس جسر يربط أبناء العاصمة العراقية.
هناك، حيث الاعظمية، المدينة المعتقة بجمال أهلها وأزقتها الوارفة المطلة على نهر دجلة، الأعلام والزينة تكتسح الشوارع، وحركة مسرعة للمارة في أسواقها، لاستقبال المحتفلين في المولد النبوي الشريف.
الحاجة أم أسامة همت بخطواتها للتنقل بين دكان وآخر عند منطقة "السفينة"، لشراء الحوائج والمتطلبات الضرورية لإحياء ليلة المولد النبوي، ضمن طقوس اعتاد المحبون عليها كل عام.
تقول الحاجة الخمسينية: "نشتاق لقدوم الأهالي بفارغ الصبر، إنه يوم ننتظره ونتطلع من خلاله إلى استنزال الرحمة على بلاد المسلمين جميعاً".
تجمع "العظماوية"، كما يطلق على النساء من تلك المدينة، أغراضها وتسرع للعودة إلى البيت لبدء تحضير أكلات متنوعة توزع الخميس على الزائرين عند مرقد النعمان، من بينها حساء "الزردة"، الذي يعد النوع المفضل والرئيسي في ذلك الاحتفال.
عادة، يتجمع الأهالي عند المراقد الموزعة في أكثر من مكان في العاصمة بغداد، من كل عام من ذكرى مولد سيد الكائنات محمد صل الله عليه وسلم، بغية الابتهال والتبرك بهذه المناسبة العطرة.
وغالباً ما تتوزع الاحتفالات في تلك المناسبة ما بين جامع أم القرى والحضرة القادرية عند مقتربات ساحة التحرير وسط بغداد، وما بين النزول إلى الشوارع العامة وتبادل الحلوى وإطلاق الألعاب النارية، فيما تبقى الأعظمية المزار الكبير والمدينة الأوسع لاستقبال أحباب النبي.
سمير أحمد هو الأخر كان يتبضع عند محال تجارية في شارع سهام متولي في الأعظمية، يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن استعداده للاحتفال قائلاً: "نسعى عبر توزيع الطعام والشراب إلى التقرب لله بمولد حبيبه المصطفى، وهي طقوس اعتدنا عليها منذ زمن بعيد".
ويلفت أحمد إلى أنه "ينشغل الأن بالبحث عن ملابس زي عربي تناسب ولده ذي العشر سنوات حتى يتزين بها في الاحتفال بعدما أصبح ذلك سياقاً وتقليداً عند أغلب تلك العوائل".
وطوال الأيام الماضية، شهدت المدينة حملة لتنظيف الشوارع وتزيين مداخل الأزقة ومقتربات أبي حنيفة، بالنشرات الضوئية واللافتات التي حملت دعوات للتآخي والتسامح، من بينها عبارة "محمد قدوتنا".
يقول ميثم الحمداني، عضو في هيئة تطوعية تسمى "رابطة شباب الأعظمية"، إن فريق عملهم استعد لاحتفال المولد النبوي منذ أكثر من شهرين عبر إصدار توجيهات وإرشادات لنشر الثقافة البيئية والصحية خوفاً من تناقل وباء كورونا بين المحتفلين".
ويوضح الحمداني، لـ"العين الإخبارية"، أنه "تم تنفيذ عمليات تعفير للأماكن القريبة من مرقد أبي حنيفة النعمان والتي سوف تحتضن القسم الأكبر من الزائرين، أي تطهير المكان بالمعقمات منعا من انتشار المكروبات والفايروسات ".
ويستدرك في القول: "وجهنا دعوات إلى العديد من الشخصيات الاجتماعية والدينية في معظم محافظات العراق من بينها ذي قار والبصرة وأربيل، ونحن بانتظار وصولهم".
وتنتشر القوات الأمنية عند مداخل الأعظمية لتأمين المنطقة المحيطة بالمرقد الشريف، فيما تتواصل عمليات الغسل والتنظيف للشوارع الرئيسة الأربع للمدينة من قبل دائرة البلدية.
ونشرت دائرة الاعظمية فرقا في جوانب مختلفة، للقيام بتكثيف الزروع والورود، وأخرى لتهيئة المداخل المتمثلة بشارعي أبي طالب وسهام متولي، كما يبين زيد فيصل مهدي، مدير البلدية العام لـ"العين الإخبارية".
ويتوافد على مدينة الأعظمية خلال ذلك الاحتفال كل عام أعداد كبيرة تصل إلى أكثر من نصف مليون زائر، وعادة ما يبدأ الاحتفال والأهازيج الدينية بعد صلاة العشاء وتستمر إلى ساعات متأخرة من الليل.
وعند مرقد أبي حنيفة، تتدافع جموع المحتفلين في مسعى للوصول إلى داخل الحضرة بغرض الابتهال والتبرك بهذه المناسبة، خصوصاً أن في مثل هذا اليوم يتم السماح للمحتفلين بتقبيل صندوق مذهب واجهته من الزجاج يضم بداخله "شعرة "، من رأس النبي الأكرم بحسب القائمين على المكان.
ويعد جامع أبي حنيفة النعمان أو ما يسمى جامع الأمام الأعظم من أقدم المساجد والمدارس الدينية في بغداد، فيعود تاريخ بنائه إلى عام 375 هجرية، وقد اكتسبت المدينة تسميتها من ذلك الاسم.
ويقع المسجد بجوار قبر أبي حنيفة النعمان، وهو عالم فقيه ولد في الكوفة عام 80 للهجرة وعاش في العصرين الأموي والعباسي.
اشتهر بعلمه الغزير ويعد أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي.
ويحتفل المسلمون في مختلف بقاع العالم في الـ12 من ربيع الأول من العام الهجري بولادة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم عبر التهليل والتكبير وتقديم النصح والمحاضرات الدينية.
aXA6IDMuMTQ1LjMzLjI0NCA= جزيرة ام اند امز