كاتيوشا بغداد.. نيران خارج السيطرة
كما كان متوقعاً تتصاعد هجمات صواريخ الكاتيوشا على المصالح الأمريكية في العراق، كلما اقترب تاريخ الذكرى الأولى لمقتل قاسم سليماني.
ففي حدود الساعة الثانية فجرا بتوقيت بغداد، في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي قتل الإرهابي قاسم سليماني قائد فليق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والرجل المهم في سياسات طهران الخارجية بالمنطقة.
في ذلك التاريخ أطلقت صواريخ أمريكية من طائرة مسيرة (من دون طيار)، وكان الهدف قاسم سليماني، مهندس حروب إيران في المنطقة وقائد ميليشياتها، وبجانبه أبو مهدي المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لطهران.
وسبق أن حذرت واشنطن من عمليات إيرانية وصفتها بـ"الثأرية"، تستهدف رعاياها في العراق، مما اضطرها إلى الإعلان عن مسعٍ لتخفيض عديد بعثتها الدبلوماسية إلى النصف في العاصمة بغداد.
ورغم الاحتياطات والاحترازات الأمنية التي اتخذتها السلطات في بغداد للتعامل مع تلك التهديدات والتلويح بتصاعد ما يسمى بـ"خروقات الكاتيوشا"، إلا أنها لم تستطع من تحييد سلاح المليشيات ومنع تدفق صواريخها نحو المنطقة الرئاسية المحصنة.
وشهدت بغداد ليل أمس الاحد، هجوما صاروخيا استهدف السفارة الأمريكية وقواعد تابعة للتحالف الدولي الواقعة ضمن المنطقة الرئاسية، استطاعت منظومة الصواريخ (CRM)، من رد اثنين، فيما سقطت البقية على مناطق سكنية تقع عند مقتربات أسوار الخضراء.
وبحسب خلية الإعلام الأمني، أن الهجوم الأخير استهدف المبان الحساسة الواقعة في المنطقة الرئاسية بـ8 صواريخ كاتيوشا، كانت قد انطلقت من قواعد متحركة عند إحدى الاماكن المهجورة جنوب شرقي بغداد.
ويرى مراقبون، أن تلك الهجمات تحمل في طياتها رسائل سياسية وأمنية واقتصادية، وفي الوقت ذاته "محاولة لإظهار العضلات".
ويقول، المحلل الأمني نجم القصاب، أن استهداف السفارة الأمريكية في ذلك التوقيت يأتي ضمن ردود فصائل مليشياوية وصفها بـ"غير المسيطر عليها إيرانيا"، للإعلان عن الولاء والانتماء لنظام ولايه الفقيه.
ويؤكد القصاب، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "هذا التصعيد في الضربات على المنطقة الخضراء دليل أنه ليس هنالك قيادة واحدة في العراق للسيطرة على السلاح الثقيل".
ويتابع القصاب، أن "تلك الهجمات تقف ورائها مليشيات منشقة، تتحرك باجتهادات شخصية وتحاول مغازلة طهران في ذكرى مرور عام على مقتل سليماني والمهندس بمهاجمة المصالح الأمريكية في العراق".
ويشير القصاب إلى أن تلك الفصائل "غير الخاضعة"، للتوجيه الإقليمي، تحاول تصدير سلاحها وإثبات قدرتها على تهديد المصالح وتعطيل الاتفاقات المؤسساتية.
ويلفت المحلل الأمني، إلى أن تلك الأطراف المسلحة تحاول إحراج رئيس الحكومة أمام الدول التي أبرم معها عقود واستثمارات كالسعودية ومصر والأردن من خلال القول عسكرياً بأننا لا نسمح لتلك الشركات أن تعمل على أرض العراق وبالتالي فان الكاظمي محرج أمام العالم والشعب والشركات.
وبشأن فقدان قدرة طهران على السيطرة على بعض الفصائل الولائية التابعة لها في العراق، يؤكد المحلل السياسي نبيل عزام، إن "إيران لم تعد كما كانت ما قبل مقتل سليماني وكذلك ليست هي ذاتها في زمن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما".
ويوضح عزام، لـ"العين الإخبارية"، إن "نظام المرشد بات اليوم مثقلاً بالجراحات والعقوبات الاقتصادية التي أنهكت اوضاعه المعاشية وبالتالي فإن إيران تعول كثيراً على حكومة بايدن للرجوع الى طاولة الاتفاقات والخروج بأقل قدر من الخسائر ".
ويستبعد عزام، ان تتصاعد حدة هجمات الكاتيوشا خلال المتبقية من العام الحالي، بعد ليلة أمس الأحد، لما واجهته من جملة استكار واستهجان كبير من قبل الأوساط السياسية والحكومية على مستوى الداخل والخارج، فضلاً عن ردود أفعال الأهالي في العاصمة إزاء الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم بعد أن أخطأت الصواريخ أهدافها وسقطت على المباني السكنية.
وكانت فصائل مسلحة تتهم غالباً بالوقوف وراء الهجمات التي تستهدف السفارة الأمريكية وقواعد التحالف الدولي، أعلنت عن براءتها من تلك الخروقات وأبدت مواقف رفض واستنكار، من بينها "عصائب أهل الحق" التي تتبع النظام الإيراني.
يأتي ذلك في وقت هددت واشطن بالرد على تلك الهجمات، متهمة مليشيات عراقية تابعة لإيران بتنفيذ العمليات الصاروخية كما جاء على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو.
ووصف بومبيو، تلك العمليات بـ"الهجمات المتهورة"، مطالباً سلطات بغداد بتكثيف جهودها الأمنية وتقديم تلك الجماعات إلى القضاء والعدالة.
فيما يؤكد الصحفي والمحلل السياسي، حمزة مصطفى، أن الهجمات الأخيرة تستهدف ضرب الدولة العراقية وإضعاف موقف بغداد أمام المجتمع الدولي.
وأشار مصطفى إلى أن الحكومة لا تمتلك كل مفاتيح الحل وليست قادرة على تحييد "النيران المنفلتة"، بمعزل عن التفاهمات الدولية والإقليمية.
وبشأن التهديد الامريكي بالرد على هجمات الأحد، يوضح رئيس مركز "إستراتيجيات"، عمار حسن، أن واشنطن لديها القدرة على الرد ولكن تبحث عن ضربة أقل كلفة وأكثر ردعاً لترهيب طهران ودفعها نحو التهدئة.
ويستدرك بالقول: بات واضحاً أن "إيران تسعى للخروج من عزلتها الدولية ودفع العقوبات عن العاصمة طهران من خلال الضغط على المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة عبر فصائلها المسلحة بغية إرغام واشنطن على التفاوض بدلاً من إشهار بطاقة تجويع فارس."
ويعد الهجوم الصاروخي الأخير ليل الأحد، هو الثالث من نوعه، منذ انتهاء الهدنة التي أعلنتها فصائل "الكاتيوشا"، خلال أكتوبر الماضي والتي نقضتها بعد أيام بذريعة عدم التزام واشنطن بسحب قواتها من العراق.
وكانت واشنطن هددت بإغلاق سفارتها في العاصمة بغداد واقتصار تمثليها الدبلوماسي على قنصليتها في أربيل، احتجاجاً على تكرار الهجمات التي تستهدف تواجدها في العراق.