في مثل هذا اليوم، من العام 1935، ولد الكاتب والروائي الكبير بهاء طاهر، صاحب الروائع التي لا تُنسى من الروايات والقصص
في مثل هذا اليوم، من العام 1935، ولد الكاتب والروائي الكبير بهاء طاهر، صاحب الروائع التي لا تُنسى من الروايات والقصص، والمسيرة العامرة بالإبداع والسيرة التي تنبض بكثير من الدلالات والرموز والقيم والمعاني التي يرتبط بها اسم "بهاء طاهر" وترتبط به.
اثنان وثمانون عاماً من المحبة، والإبداع، ومكانة فريدة بين كتاب الرواية والقصة في مصر والعالم العربي، أنجز خلالها ست روايات، وخمس مجموعات قصصية، وكتابين مترجمين، وثلاثة كتب ضمت دراسات ومقالات وقراءات في الرواية والمسرحية والقصة.
بهاء طاهر، واحد من أبرز وجوه جيل الستينيات الأدبي، وصل إلى قمة النضج الفني، وذروة الحس الدرامي في أعماله القصصية بوجه عام والروائية منها بوجه خاص. وهو كاتب مُقلّ إذا ما قورن بكثيرين من أبناء هذا الجيل، فعلى مدار ربع القرن منذ صدور روايته الأولى "شرق النخيل" عام 1983، وحتى صدور آخر روياته "واحة الغروب" 2006، لم يصدر له سوى ست روايات؛ أي بمعدل رواية كل خمس سنوات تقريباً.
استهل بهاء طاهر رحلته الثقافية والأدبية عام عقب تخرجه في كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم التاريخ، التحق بإذاعة البرنامج الثاني (البرنامج الثقافي حالياً)، عقب تأسيسها بعام واحد، وأصبح واحداً من مؤسسيها الكبار ونجومها الحقيقيين الذين كانوا كوكبة إذاعية وفنية فريدة تضم سميرة الكيلاني ومحمود مرسي وصلاح عز الدين وكامل يوسف وفؤاد كامل، وآخرين، بقيادة الإعلامي والإذاعي سعد لبيب.
وأتيحت الفرصة لبهاء طاهر أن يستثمر ثقافته الكبيرة وقراءاته الواسعة في الأدب العالمي وخاصة الدراما العالمية، ليصبح المسئول الأول عن روائع المسرح العالمي التي تترجم وتقدم في صيغة سهرات إذاعية، وعن "البرامج الخاصة" التي كانت وقتها صيغة من اختراع البرنامج الثاني تتناول موضوعات وشخصيات وقضايا، وتجمع بين السرد والتحليل والمسامع الدرامية.
لكنه وبسبب التغيرات السياسية والتحولات العاصفة التي ضربت مصر عقب هزيمة 67 ووفاة جمال عبد الناصر،
يضطر بهاء طاهر إلى الرحيل عن الإذاعة، وعن البلاد كلها، لتبدأ رحلة طويلة من الرحيل والغربة والمنفى، استطاع بهاء تحويلها إلى سنوات خير وبركة عامرة بالقراءة والكتابة، والعمل والإبداع، وتألق حقيقي يتصاعد سمته عاماً بعد عام بالرغم من ممارسته لعمل الترجمة القاسي على مدار سنوات طويلة، لكن الوقت المتبقي للإبداع الروائي والقصصي، وللكتابة الأدبية والنقدية، جعل عينيه دائماً على مصر والعالم العربي، وصوب قرائها في كل مكان.
ورغم أن زخماً ووفرة بين المبدعين والكتاب كانت تميز الفترة التي استهل فيها بهاء طاهر نشاطه الإبداعي؛ فإنه استطاع بين هؤلاء الكبار أن يعرف طريقه وسمته وتفرده، لم يقلد أحداً ولم يمضِ في عباءة أحد، وظل طول الوقت حريصاً على هذه الاستقلالية وهذا التفرد. وهو موقف لم يحل، كما يقول عنه الراحل فاروق شوشة، بينه وبين استلهام الإرادة الفولاذية لنجيب محفوظ وقدرته على الصمود الهائل والاستمرار، أو جنون العبقرية عند يوسف إدريس وقدرته على الغوص والحفر الجديد والتجاوز، ولا بساطة يحيى حقي العميقة والمدهشة، لغةً وأسلوباً وإبداعاً، يظن الجاهل أنه يحسن مثلها فلا يستطيع، لأنها السهل الممتنع، وهكذا صنع بهاء نفسه على عينيه، وتعهدها بقسوة المراجعة والتأمل والتحول.
وعلى امتداد رحلته الإبداعية التي بدأت عام 1962 أثرى بهاء طاهر الأدب العربي، بروائعه السردية، فمنذ صدور مجموعته الأولى "الخطوبة" 1972 وحتى صدور آخر إبداعاته المدهشة "واحة الغروب"، نوفمبر 2006، تقف أعماله شاهدة على عمق الرؤية الفنية، وامتلاك مدهش لتقنيات السرد وحرفية القص. وتبرز مجموعاته القصصية المكينة "بالأمس حلمت بك" 1984، و"أنا الملك جئت" 1985، ثم تشمخ روايتاه البديعتان الأوليان "شرق النخيل" 1983، و"قالت ضحى" 1985، وقد تم اختيار الروايتين كأفضل عملين أدبيين روائيين في نفس سنتي صدورهما، وهو أمر سوف يتكرر في كل مرة يصدر فيها بهاء طاهر عملاً جديداً.
في النصوص السابقة، التي صدرت كلها عن تأثر واضح بمجموعة من التحولات الجذرية التي ضربت مصر والعالم العربي خلال عقدي الخمسينيات والستينيات وما تلاها، وكان لها مردودها الكبير على كتابة بهاء طاهر واختياراته التقنية والأسلوبية، ظهرت خصائصه الكتابية بوضوح لا تخطئه العين المدربة من حيث الميل إلى الاقتصاد اللغوي والتكثيف وصرامة البناء، لكن لغته، مع ذلك ظلت تميل إلى التوازن بين الشفافية والمجاز وأصبحت ذات مستويات متعددة، وأصبح السرد أكثر يسراً وتدفقاً ذلك لأن الرؤية أصبحت أكثر اتساعاً ورحابة، وانصرفت كتابة بهاء طاهر إلى التعبير عن مأزق الوجود الإنساني في العصر الحديث؛ أي أن العبء الأخلاقي الملقى على عاتق الكتابة أصبح أوسع مما كان عليه، ولذلك نلحظ أن حضور الواقع الصلب يزاحمه حضور الفانتازيا والأحلام والأساطير وأشواق المتصوفة.
وما زال بهاء طاهر مرتفع القامة، ومنارة تضيء لأجيال الشباب من المبدعين، الذين التفوا من حوله، وازدحمت بهم داره وأوقاته، في رضا وبشاشة ومحبة.