المشوار بدأ بحكمة وروية في خطوة تليها خطوة، وسط شفافية عالية وثقتها الملفات، فطلب الترخيص وحده مكون من 14 ألف صفحة.
لطالما آمن والدنا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بأن الحاضر الذي نعيشه على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على معاناة الماضي وقسوة ظروفه، وقد كان الاتحاد يعيش في نفسه وفي قلبه واعتبره أعز ما لديه، بحيث لم يسمح بالتفريط به أو التهاون بمستقبله، فكان هديه نبراساً سار عليه من معه من الآباء المؤسسين ونهجاً حافظت عليه القيادة اليوم، فكانت قوته وبقاؤه صامداً الهدف الأسمى ولم يتحقق ذلك سوى بإنجازات تعم بخيرها الشعب وتمتد لتشمل العرب والعالم بأسره.
مفاعل براكة كان واحدا من تلك الإنجازات التي دخلت بها الإمارات السباق في نادي الكبار لتضع لها بصمة قاهرة كأول دولة عربية تشغل محطة للطاقة النووية السلمية وبما يعكس رؤية الدولة لترسيخ مستقبل مستدام للأجيال. المشوار بدأ بحكمة وروية في خطوة تليها خطوة، وسط شفافية عالية وثقتها الملفات، فطلب الترخيص وحده مكون من 14 ألف صفحة وأجرى القائمون على المفاعل النووي السلمي مالا يقل عن ١٨٥ عملية تفتيش، وأكثر من 250 عملية فحص للتأكد من معايير السلامة.
ثم جاءت خطوة مأسسة المشوار نحو عالم الذرة ليتم قبل ما يزيد على 10 سنوات وتحديدا في عام 2008 إصدار "سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة المتبعة لتقييم وإمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية في الدولة", بالتنسيق المباشر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تُعد المركز العالمي للتعاون في المجال النووي وتسعى إلى الترويج للاستخدام الآمن والمأمون والسلمي للتكنولوجيات النووي.
وفي عام 2009 تم تأسيس "الهيئة الاتحادية للرقابة النووية" لتصبح الجهة الرقابية المسؤولة عن تنظيم القطاع النووي في دولة الإمارات, كما تم تأسيس مؤسسة الإمارات للطاقة النووية للعمل على توفير طاقة نووية آمنة وفعالة وصديقة للبيئة يمكن الاعتماد عليها لدعم النمو الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
مرت السنوات وتضاعف العمل وظهرت التحديات هنا وهناك، منها ما هو على أرض براكة ومنها ما هو في المحيط السياسي و الأمني حيث تكثر الصراعات والإخفاقات وسقوط القوى العظمى، إلا أن الإصرار على إكمال المسيرة كان ديدن العمل هنا، فلم يتوقف الدعم وضخ هذا القطاع بالخبرات العالمية ودمجها مع خبرات مواطنة تملك من المؤهلات العلمية والميدانية ما تكفي لتجعلها نموذجا يحتذى به للأجيال القادمة، ففي لغة الأرقام يعمل في الهيئة الاتحادية للرقابة النووية أكثر من 245 موظفا وتزيد نسبة المواطنين الإماراتيين فيها عن 67٪ ولديها برامج تأهيل سنوية بالتعاون مع الجامعات لإعداد الكوادر الوطنية في هذا القطاع.
فهنا تؤسس الإمارات مستقبلاً لأبنائها القادمين في هذا القطاع تحديداً، ليدوم حتى مع إيقاف تشغيل المفاعل في عام 2080، تكون لديهم الجامعات والمعاهد التي ستجعل منهم علماء في هذا الجانب، ستخلق لهم عالما أكثر نقاءً بمشاريع صديقة للبيئة تعتمد على الطاقة المتجددة، فمحطات الطاقة النووية وحدها ستسهم في إنتاج طاقة كهربائية تغطي 25٪ من احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء، وتحول دون انبعاث ما يقارب 21 مليون طن من الكربون سنوياً، هي هدية الوطن لأبناء زايد لسنوات طويلة قادمة وداعم عربي للمضي نحو مستقبل أكثر عمقاً ودراية بحاجة أوطانهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة