الروائية بسمة الخطيب لـ"العين الإخبارية": أريد للغة أن تنحاز للإنسانية
الروائية بسمة الخطيب تحدثت لـ"العين الإخبارية" عن تجاربها في كتابة القصص القصيرة والرواية، وعملها في مجال الإعلام وكتابتها لليافعين.
بدأت الكاتبة والروائية اللبنانية بسمة الخطيب مشوارها المهني بالعمل لدى إذاعة "صوت الشعب" اللبنانية، إذ أعدت وقدمت برنامجا إذاعيا ثقافيا تحت عنوان "بعدك على بالي"، وعملت صحفية في مطبوعات عربية عديدة، أبرزها جريدتا السفير اللبنانية والحياة، في أقسام الثقافة والميديا والمجتمع، ومجلة العربي الصغير، حيث كتبت القصص وأعدت تحقيقات للأطفال.
وقالت بسمة الخطيب التي استضافت خلال برنامجها الإذاعي نخبة من الكتاب والفنانين، أمثال محمود درويش، وبهاء طاهر، وسهيل إدريس، وإلياس خوري، ويمنى العيد، ورفيق علي أحمد، وأنطوان كرباج، وشوقي بزيع، وطلال سلمان، وكمال الشناوي، وهند رستم، إنها دخلت عالم الكتابة عندما كانت طالبة جامعية، حين نشرت مجلة الآداب أول قصة لها، مؤكدة عشقها للغة العربية.
الروائية بسمة الخطيب تحدثت لـ"العين الإخبارية" عن تجاربها في كتابة القصص القصيرة والرواية، وعملها في مجال الإعلام وكتابتها لليافعين، في سياق الحوار التالي..
- كلمتكِ في مؤتمر "حضور المرأة في اللغة العربية وآدابها- شهرزاد خارج القصر"، الذي عقدته جامعة ميلانو الكاثوليكية، عمّ دارت؟
علاقتي باللغة العربية حسَّاسة ومعقدة، وفيها توتر وصراع، فأنا أعشقها رغم ظلمها لي، وأحاول التحليق بها نحو الغد رغم أثقال الميراث التي تحول أحياناً دون هدفي. واخترت أن أتحدث في مؤتمر حضور المرأة في اللغة العربية وآدابها، لأطرح النقاش حول أمر معقد وشبه مستحيل، وهو رفع الظلم عن المرأة والتأنيث في اللغة، ومعالجة التهميش والاحتقار الذي ينال التأنيث في مواضع عدة.
اللغة هي وجه من وجوه الحضارة ومن ركائزها، وخروج المرأة من إطار الحكي والنقل إلى صناعة الأفكار والكتابة بنفسها، بعد أن كان الرجل يكتب عنها ويحتكر الكتابة لنفسه، كل هذا تمَّ بتسهيلات من اللغة، التي سمحت للمرأة أن تعبر عن نفسها وتطرح أفكارها وهذه نقطة نور مهمة في نفق طويل.
وقد ختمت كلمتي بعد أن تكررت عبارة "مستحيل" فيها بالقول إن المستحيل ليس أنثى. وقد اشتعلت القاعة بالتصفيق تأييداً ودعماً لقضية كل كاتبة عربية.
-هل تتمنين تأنيث اللغة بعد دهور من ذكوريتها؟
لا، هذا عكس قضيتي هنا، تأنيث اللغة يعني انحيازها، وأنا لا أريد للغة أن تنحاز إلا للإنسانية والجمال والقيم الأخلاقية. نعم دخول المرأة معترك الكتابة جعل اللغة أقل فحولة، وأقل تحيزاً للرجل، ولكنه يجب ألا يجعلها مؤنثة، بل أن تكون عادلة للجميع من دون التفريق على أساس الجنس.
-بعد سنوات من العمل الصحفي والإعلامي، كيف اشتعلت شرارة الكتابة في داخلك؟
بدأت الكتابة والنشر قبل دخول الميدان الإعلامي. كنت طالبة جامعية حين نشرت مجلة الآداب أول قصة لي. احتضنتني المجلة فأعطتني ثقة كبيرة بنفسي، وأخبرني الدكتور سهيل إدريس، رحمه الله، أنني سأكون روائية بارعة، وأن دار الآداب ستنشر رواياتي.
تابعت نشر قصصي القصيرة وأنا أتدرب في جريدة السفير وإذاعة صوت الشعب، حتى تبنت دار المدى أولى مجموعاتي القصصية "دانتيل"، وكما عاهدتني دار الآداب، فقد تبنت أولى رواياتي "برتقال مر"، وكم يحزنني أني تأخرت ولم أنشرها في خلال حياة الدكتور سهيل الذي تنبأ بها.
أنا أؤلف منذ طفولتي، كنت أؤلف الأغاني ولا أكتفي بما يغنَّى للأطفال في المدارس أو عبر شاشات التلفزيون وأثير الراديو، ثم بدأت أؤلف مشاهد تمثيلية، أنا وأخوتي أيضاً كنا فريقاً متكاملاً، حضَّتنا ظروف الحرب اللبنانية على صناعة تلفزيوننا الخاص ومسرحنا الخاص، وعروضنا الترفيهية في سنوات حُرمنا خلالها من الكهرباء والتنزه، وحتى مغادرة الملجأ. منذ تلك الأيام البعيدة وأنا أريد أن أكتب وأنا أعرف أنني أريد أن أصبح كاتبة.
-بهل كانت بدايتك بكتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب لدخول مجال الرواية؟
كل ما نفعله هو تدريب وتجريب، نحن نحاول أن نجد صوتنا وطريقنا، ولكن كتابة القصة لم تكن تدريباً على كتابة الرواية، لأن العكس هو الأصح، فالرواية أسهل من القصة القصيرة.
أردت التدرب على كتابة قصة جيدة، وهذا أمر صعب للغاية. لذا الأجدى لمن يتعمد وضع خطط التمرينات، وأنا لست منهم، أن يكتب روايات كثيرة قبل أن يدخل مضمار القصة الصعب، وكتبت القصص القصيرة في الحقيقة لسبب قد تجده صادماً، هو أنني لم أملك وقتي لنفسي، كنت مقيدة بأمور كثيرة مثل الواجبات المنزلية والوظيفة ومكابدة عناء المواصلات بين المدن، إذ يتطلب وصولي من بيتي إلى بيروت والعكس 4 ساعات يومياً.
عدم امتلاكي للوقت الكافي للتفرغ لكتابة رواية، كان سبب اختياري للقصة القصيرة، ففي القصة القصيرة لست في حاجة إلى الانعزال لأيام والكتابة بنفس متواصل كما في الرواية، وكنت متلهفة لمعرفة تقييم النقاد والزملاء والقراء لكتابتي، هذا توفره القصص القصيرة أكثر من الرواية، بين شهر وآخر كان يمكنني أن أنشر قصة وأتلقى التعليقات عليها وأطور نفسي وأتحداها.
- ماذا وجدتِ مختلفاً في عالم الرواية عن القصة القصيرة؟
وجدت في القصة ما لم ولن أجده في الرواية، وهو كما يقول وليم بليك "العالم في حبة الرمل"، الرواية تجعلك ترى الرمل على طول الشاطئ، الرمال والموج فقط، أما القصة فتجعلك ترى العالم في حبة رمل.
وفي القصة وجدت مجد الضآلة وصغر الحجم، فبينما الرواية مكابرة تتفاخر بحجمها الكبير، تنزوي القصة بتواضع لأنها تعرف أن الحجم قوّة، لذا فإن كتابة قصة جيدة واحدة هو إنجاز رائع.
- رواية " برتقال مر" مليئة بالضياع والفقد والغياب، ما القصد وراء ذلك؟
لا أعرف حقاً، أنا لا أملك إجابات بل أبحث عنها، ثم إنني من شدة الجهد والإعياء والعجز أنساها وأتابع المسير، فأصل غالباً إلى أسئلة جديدة، تعطيني الحافز للاستمرار.
- كم اقتربت شخصيات الرواية من الواقع.. وماذا تعني لك الشخصيات في الرواية؟
لا أفشي أسرار شخصياتي، لا أخذلها. لكل قارئ أن يراها كما يريد أو كما تقوده هي إلى رؤيتها.
-صدرت لك رواية "في بلاد الله" للناشئة.. كيف تقدميها للقراء؟
هذه الرواية ليست للناشئة فقط، إنها لمن هم فوق 13 سنة. الناقدة القديرة الدكتورة يمنى العيد رفضت اعتبارها لليافعين فقط، وقالت إنها تأثرت بها واندمجت في أحداثها.
كتبتها كجزء من حلم كبير أسير خلفه، فأنا غالباً ما أسير خلف أحلامي، أتركها تقودني، سرت خلف حلم جداتي اللواتي حكين حكايات شعبية بديعة لأجل إسعاد من حولهن، وإرسال صغارهن إلى نوم هانئ، وجذب زوار وأحبة إلى سهرات دورهن.
جمعت بعضاً من أحب الحكايات إليّ، وأعدت كتابتها في إطار حكاية جديدة، كامرأة بعد رحلة جمع بقايا الأقمشة تجمعها وتخيطها لتصنع ثوباً يشبه رحلتها أي يشبه أحلامها. إسماعيل يقوم برحلة ليعثر على ذكرى، يطرح أسئلة كثيرة: أين تذهب الذكريات التي ننساها؟ أين هي أرض الحكايات؟ هل مفترق الطرق هو ملتقاها؟ هذه أسئلتي، وقد تبعت إسماعيل بحثاً عنها.
- هل الكتابة لليافعين أصعب من الكتابة للبالغين؟
الصعوبة هي أننا غادرنا الشباب، لم نعد ناشئة، لم نعد نتكلم بلغتهم ونفكر كما يفكرون، ما يفعله المؤلفون هو أنهم يكتبون لليافعين، بينما عليهم أن يكونوا يافعين وهم يكتبون، لذا فالكتابة للأطفال أصعب لأننا غادرنا الطفولة.