التحالف بين ميليشيات المال والسلاح لا يزال مستمراً في بلد قدر له أن يكون ساحة لصراعات لا دخل له بها فعجز عن التفاعل مع محيطه كعضو فاعل.
ها هو أغسطس "آب" يرحل مخلفاً ذكرى أليمة للشعب اللبناني، فبعد أكثر من 3 أسابيع على انفجار بيروت، لا يزال لبنان يلملم جراحاً عميقة خلفها ذلك الانفجار الذي أوقع عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وعشرات آلاف المشردين بلا مأوى، جراح لن تندمل ما لم يكشف المتسبب، الذي يعرفه الجميع، لكن يختارون الصمت.
والصمت سمة المشهد السياسي في لبنان، على أمل مرور العاصفة ثم العودة مرة أخرى إلى المشهد، ما يجعل غضب اللبنانيين في تصاعد، حيث يحملون الطبقة السياسية كاملة مسؤولية ما وصلت إليه البلاد، ويتهمونها باللامبالاة وعدم الجدية في محاسبة المسؤولين.
القنبلة الموقوتة "2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم" التي وضعت بالقرب من الأبرياء وسط بيروت كشفت حجم الكارثة، إذ لا يمكن إخفاء تلك الشحنة من دون معرفة المسؤولين، ما يجسد فشل الحكومات المتعاقبة في ردع الميليشيا التي استخدمت مرفأ بيروت لأغراضها الإرهابية، ولسان حال اللبناني اليوم.. كم من مخزن شبيه في الأحياء السكنية؟ كم صاروخاً مخبأ بين الأبرياء؟ وكم قنبلة يجب أن تنفجر حتى يتغير الوضع؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عليها للأسف، لأن التحالف بين ميليشيات المال والسلاح لا يزال مستمراً في بلد قدر له أن يكون ساحة لصراعات لا دخل له بها، فعجز عن التفاعل مع محيطه كعضو فاعل، وخرج السلاح من يد الدولة، وانهار الاقتصاد، وفشلت الحكومة في تقديم الحد المعقول من الخدمات العامة، وفقدت الطبقة السياسية ثقة المواطنين.
وفي هذه الأثناء جاء الدور الفرنسي لضبط المشهد اللبناني، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مخافة نشوب حرب أهلية على غرار ما حدث عام 1975، حيث أكد وزير الخارجية لودريان، أنه إن لم يتم تشكيل حكومة سريعة، والبدء بإصلاحات عاجلة، فإن البلد يواجه خطر الزوال، وهذا كلام خطير يبين حجم التحدي الذي يواجهه لبنان المأزوم والقابع في محيط مليء بالأزمات، وعليه فإن التحرك لتغيير الواقع أصبح أمراً حتمياً، في وقت تتجه فيه البلاد إلى الانهيار أو الزوال كما ذكر لودريان.
إن الحل يكمن في الشارع اللبناني وفي شبابه الرافضين لكل أشكال فشل الدولة، ابتداء من انتشار السلاح بيد الميليشيات، والفشل في اتخاذ القرارات وتنفيذها، وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات والتعهدات، وذلك لن يحدث في وقت قصير لا شك، لكن الأوضاع العالمية اليوم تدعم التغيير في لبنان – حتى الآن- ويجب استغلال ذلك بشكل إيجابي لرفض الواقع الراهن وبناء واقع سياسي جديد، والبدء في إصلاحات داخلية بالتعاون مع المجتمع الدولي ومع الدول الشقيقة التي لطالما كانت مساندة للبنان وداعمة لمسار الإصلاح والتنمية فيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة