ماذا سرق الغرب من أفريقيا؟ القطع الأثرية أهونها
كان قرار الدول الأوروبية بإعادة القطع الفنية المنهوبة والتي لا تقدر بثمن إلى أفريقيا ليست سوى قمة جبل الجليد لتلك الحقبة الاستعمارية.
وفي مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكي، يرى كاتب الرأي هوارد فرنش أن هذه الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق العدالة التصالحية ومحاولة معالجة إرث الماضي الشنيع ضرورة لكنها لا تزال منقوصة، أو كما يقول هي الجزء السهل في التعامل مع تلك الحقبة.
وأشار إلى أن ما لم تقم به تلك الدول، ولم تشرع فيه حتى الآن، هو إعادة دراسة الظروف التي جرى في ظلها نهب الكثير من التراث الثقافي لأفريقيا، وما ينبغي عليها فعله تجاه الاضطرابات والفقر والضعف الذي يكاد يعصف بالقارة السمراء.
ويعتقد أن محاولة تعويض أفريقيا عن تلك الحقبة أمر بالغ الصعوبة، وقد لا يكون ممكنا على الإطلاق، فهناك ما يقرب من 12.5 مليون أفريقي تم شحنهم مقيدين بالسلاسل عبر المحيط الأطلسي إلى الأمريكتين، اقتيدوا جميعا للعمل في المزارع، وجرى اختيار هؤلاء الأشخاص على وجه التحديد لأنهم كانوا في ريعان الشباب، ما أفقد القارة جهودهم بصورة لا رجعة فيها، مما فرض شكلا لا يزال غير معترف به من أشكال الفقر الجماعي.
ويضاف إلى ذلك العدد الهائل من الأفارقة الذين قتلوا في الفوضى التي أطلقها الأوروبيون عمدا في أفريقيا لمواصلة عملهم في نقل العبيد، بالإضافة إلى معدلات الوفيات الرهيبة على المقابر العائمة التي عرفت باسم سفن الرقيق، ووفقًا لأحد التقديرات لم يصل سوى 42% فقط من الأفارقة الذين نقلوا على متن هذه السفن ليباعوا في العالم الجديد.
وأوضح الكاتب أن استنزاف أفريقيا لم يتوقف عند استنزاف ثروتها البشرية، بإرسال 25 مليون شخص إلى أمريكا والدول الأوروبية، بل إن القوى الإمبريالية الكبرى في ذلك الوقت أعطت لنفسها الحق في مؤتمرها الشهير في برلين عامي 1884-1885، بتقسيم القارة الأفريقية لأغراض ليس العبودية في حد ذاتها، بل من أجل السيطرة السياسية والحصول على الموارد وإنشاء أسواق أسيرة للبضائع المتدفقة من اقتصاداتها الصناعية الحديثة.
وأعطت القوى العظمى في برلين لنفسها تفويضا مطلقا للغزو العسكري، بعد فترة وجيزة هزمت فرنسا داهومي (1893) ، وبريطانيا بنين (1897) ومملكة أشانتي (1895-1900)، تميزت هذه الحروب بسرقة كنوز السكان الأصليين وشهدت أول استخدام واسع النطاق للمدافع الرشاشة، وأدت الحملات العقابية الألمانية ضد انتفاضة ماجي ماجي في تنجانيقا من 1905 إلى 1907 إلى مقتل 120 ألف أفريقي، كما قامت القوات الألمانية في جنوب غرب أفريقيا (ناميبيا اليوم) بإبادة قبائل هيريرو وهوتنتوت تقريبا، وفي ولاية الكونغو الحرة إبان حكم ملك بلجيكا الملك ليوبولد تم قطع أذرع الأفارقة الذين يرفضون السخرة في بساتين المطاط.
وأشار الكاتب إلى أن الأوروبيين سعوا أثناء تنفيذ مخططاتهم تلك إلى تبرير أفعالهم بعرض صور التخلف والبربرية الأفريقية، لكن ما لم يذكروه هو أن دولا أفريقية مثل بنين وأشانتي وكونغو والعديد من الدول الأخرى كانت ترسي تقاليد النظام والحكم، والتي غالبا ما تكون متطورة إلى حد بعيد، وفي الوقت نفسه كانت العديد من هذه الدول الأصلية منخرطا في حرب توسعية، مثلما فعلت الدول الأوروبية في القرون الأخيرة، بهدف تشكيل التكتلات السياسية والتوحيد، ولولا ما فعله الاستعمار الأوروبي في أوروبا لكانت قارة أفريقية مختلفة تماما اليوم.
ولولا الاستعمار الغربي لما كانت القارة 54 دولة وضع حدودها دول خارجية، العديد منها صغير أو غير ساحلي، تعاني اضطرابات أمنية وسياسية، كان بإمكان شعوب أفريقيا الحصول على مساحة لتشكيل أو تعميق مناهجهم الخاصة في الترتيبات المؤسسية للحكم.
أحد الأمثلة الأكثر إثارة للاهتمام على ذلك يأتي من غانا، حيث تم إنشاء اتحاد واسع من قبل مجموعة فانتي العرقية عام 1868، أسفر عن كتابة دستور أصلي ووصل إلى شكله النهائي عام 1871، هذه الترتيبات ذاتية الدفع أنشأت نظام حكم ملكي ومجلسا للأمراء والشيوخ ومجلسا وطنيا، لكن البريطانيين والهولنديين والدنماركيين، جميعهم لديهم مصالح اقتصادية مهمة في المنطقة، رأوا في مثل هذه الحلول السياسية المحلية تهديدا لأرباحهم وعملوا بجد لتقويض أي شيء يعمل على بناء المؤسسات المحلية.
aXA6IDE4LjE4OC45Ni4xNyA= جزيرة ام اند امز