قصة نجاح ألمانيا.. معجزة استثنائية
تعتبر قصة النجاح الألماني بعد الحرب العالمية الثانية والدمار الذي لحق بها قصة ملهمة لدول العالم والشرق الأوسط.
تعتبر قصة النجاح الألماني بعد الحرب العالمية الثانية والدمار الذي لحق بها بعد الهزيمة الكبرى على يد قوات التحالف الدولي قصة ملهمة لدول العالم والشرق الأوسط، حيث يعد كثير من المحللين أن قصة هذا النجاح والصعود الألماني أقرب إلى المعجزة الاستثنائية في العالم خلال القرن الماضي.
- ألمانيا ملكة الاقتصاد الأوروبي بـ5 قطاعات صناعية
- مقر المستشارية الألمانية.. صديق للبيئة ورمز للحكم الحديث
وكانت حالة النهوض الألماني أقرب إلى المستحيل في لغة علم السياسة، نظرا لضخامة الانهيارات التي شهدتها البلاد بعد عام 1945 على كافة الصعد الاقتصادية والتنموية في ظل تداع كامل للعديد من المدن والأقاليم الألمانية، وشطب كامل لأبسط مقومات الحياة شبه الإنسانية.
كل هذا فضلا عن انهيارات كاملة للبنية التحتية للحياة والقضاء شبه الكامل على الجيش نتيجة الهزيمة النكراء وإنهاء أسطورة قائده هتلر بفعل الضربات والعمليات العسكرية التي غيرت موازين الحروب والعمليات العسكرية في ذلك الوقت في العالم، حيث كان آخر حروب العالم الذي وصلت كلفتها المادية والاقتصادية والإنسانية والعسكرية أثمانا مهولة.
وكان الخاسر الأكبر فيها ألمانيا دولة وشعبا وجيشا لتنتهي أسطورة التفوق العسكري الألماني والياباني لعدة عقود، إلا أن العقلية الحديدية والتصميم الفولاذي للألمان على النهوض والخروج من ركام هذه الهزيمة كان أحد أبرز المحركات الأساسية لبناء الدولة الحديثة الكبرى لتعود بقوة لمسرح الحياة الاقتصادية والتنموية لتحقق في عقود معدودة معجزة على الخارطة الدولية من حيث القوة الاقتصادية والكفاءة الصناعية الأولى في العالم.
وتحتل ألمانيا حاليا أمام أعين دول العالم مراكز متقدمة في الأسواق الصناعية والاستثمارية والمالية وتؤثر بفعالية في أداء ومحركات الاقتصاد الدولي بعد أن صارت القوة الاقتصادية الرابعة في العالم، والأولى في الاقتصاد الأوروبي، وربما الأكثر نفوذا وتأثيرا في صناعة القرار الأوروبي، حيث استطاعت في سنوات معدودة التفوق على أعداء الأمس، ومن ألحقوا بها الهزيمة النكراء، وأعادوا وجه الحياة فيها خلال الحرب العالمية الثانية إلى القرون الوسطى، وتحديدا هنا بريطانيا وفرنسا.
تمكنت برلين من أن تتفوق عليهم وما زالت وحتى قبل قرار الاستفتاء البريطاني عام 2016 بالخروج من الاتحاد الأوروبي، لتكون القاطرة الأولى من عشرات السنوات الماضية للاتحاد الأوروبي وصاحبة الرقم الصعب والمعادلة الرئيسية في رسم سياسات الاتحاد والسوق الأوربية والأكثر تأثيرا في رسم خطوط وسياسات منطقة اليورو حاليا.
وبالتالي ما زال النموذج الألماني يشكل الأمثولة الكبرى أمام دول العالم للتقدم والنماء والرفاهية لدول وشعوب العالم لما حققه من نجاحات لاعتبارات عديدة، أبرزها اعتلاء قيم الصمود والإصرار والتحدي والرغبة في جعل المستحيل ممكنا، وتوفير إمارات النجاح مهما كان حجم التحديات والأزمات الناشئة، ومن هنا لم يغب نجاح هذا النموذج عن عقل وإرادة قادة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه الذي أسس لدولة قوية تتمتع بمقومات القوة والنجاح الفريد والاستثنائي من كل دول الشرق الأوسط، فوضع البذرة الأولى للنماء والتقدم وسعى لترسيخ دعائم البناء ومرتكزات البنية الأساسية الأولى.
ومن بعده واصل الأبناء تشييد تلك الصروح لتصبح وتصير الإمارات المعادل الموضوعي للتقدم والبناء والرفاهية في منطقة الشرق الأوسط أسوة بالنموذج الألماني في أوروبا والعالم، حيث لم يتوقف الحضور والعطاء والنماء الإماراتي على البنية التحتية والصروح الاقتصادية والتنموية والصناعية مثل ألمانيا، بل تعدت وتفوقت الإمارات في النواحي ومجالات البنية الإنسانية وتحقيق الأرقام الفلكية في بناء مقومات الحياة الكريمة للمواطن الإماراتي من أجل إعادة بناء الإنسان الإماراتي، حيث كان أفضل استثمار في هذا الشأن بجانب الاهتمام بثقافة التسامح والعيش الكريم لكل جنسيات دول العالم التي تعيش على أرضها التي تعادل أكثر من 200 جنسية.
ومن هنا كان الاهتمام الذي حظيت به زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية لألمانيا، حيث يرى مراقبون أن نتائج هذه الزيارة سيكون أبلغ الأثر في تعميق العلاقات الألمانية الإماراتية خاصة، وأن مقومات التكامل والنجاح الاقتصادي والتنموي تكاد تكون متقاربة فضلا عن خصوصية هذه العلاقات، باعتبار أن الإمارات كانت وما زالت الشريك التجاري الأول، والأكبر دون دول الشرق الأوسط لألمانيا.
وتحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى من حيث الاستثمارات وحجم التبادل التجاري وحجم الاستثمارات المشتركة، فضلا عن أن السياحة الإماراتية تعد الأولى من بين دول الشرق الأوسط لألمانيا، ناهيك عن40% من السياحة الخليجية لألمانيا تأتي من الإمارات هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يرى مراقبون أن هذه الزيارة سيكون لها مردود إيجابي على التعاون السياسي بين البلدين لصالح قضايا الشرق الأوسط، حيث ستمثل برلين منصة حضور ألماني قوي للمنطقة، ليعود بقوة ويلعب دورا بناء ومزاحما لأدوار القوى الكبرى في العالم، حيث سيكون استفادة كبرى لدول المنطقة من هذا الحضور الألماني في المستقبل بفضل المساعدة والمؤازرة الإماراتية في المقام الأول.
وتعد العلاقات الإماراتية الألمانية نموذجا حيويا على المستوى الدولي وفي منطقة الشرق الأوسط لديناميكية العلاقات بين الدول الكبرى، لما يمثله من ديناميكية تعتبر الأفضل نجاحا والأكثر حركية لترجمة نموذج العلاقات الاستراتيجية بين دول العالم، حيث تعتبر الشراكة بين البلدين بحق نموذجا لشراكة استثنائية وتجسيدا عن قناعة لدى صناع القرار في مطابخ السياسة الدولية ونموذجا حيويا لفعل الإرادة والصعود المتقارب، وإن اختلفت البدايات لكن الوسائل والآليات تكاد تكون متشابهة من حيث فعل التحدي والتصميم والإصرار ورغبة كلا الجانبين، ليكون كل منهما الرقم الصعب والمحرك الفعال في منطقته.
التشابه يكاد يكون متقاربا على صعيد المسارات الاقتصادية والسياسية الآن وزخم الحضور في المشهد الدولي وإقليم الشرق الأوسط، وإن كانت الإمارات تتميز بكثير من وفرة الحضور في عديد من الملفات السياسية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بفعل دبلوماسية حركية متناغمة وثقة متوافرة بين غالبية دول المنطقة.
هذا إلى جانب غطاء دولي يوفر لها حواضن الحضور وشبكة أمان لترسيخ الحلول السلمية للعديد من القضايا، فضلا عن مقومات القوة والنجاح الاقتصادي التنموي وجملة مشاريع نهضة الاستثمارات الداخلية التي جعلت منها أسرع دول الإقليم نموا اقتصاديا، وأدى في نهاية الأمر لتوفير مقومات النجاح الاقتصادي والسياسي لتأهيلها للعب الدور السياسي المتعاظم في المنطقة، نظرا للثقة المفرطة في حضورها أوراق النجاح التي تمتلكها، مما أدى إلى فتح الأبواب أمامها لترسيخ وتعميق علاقات وشراكات استراتيجية مع دول العالم، وفي المقدمة منها الدول الكبرى والأكثر نفوذا في صناعة القرار الدولي، ورسم سياسات العالم.
ومن هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية للزيارة التاريخية الحالية لولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد لألمانيا، ورغم أنها الزيارة السادسة، حيث كانت الزيارة الأولى عام 2006 إلا أن هذه الزيارة تكتسب أهمية عظمى في ضوء تواصل تعاظم مقومات الشراكة وتأسيس تحرك فعال للتعاون في مشروعات الاستثمار، ورفع كفاءة التعاطي الاقتصادي لترسيخ مقومات النجاح الاقتصادي ثنائيا، وتدشين مشروعات الشراكة الكبرى في المجالات الصناعية والطاقة والذكاء الاصطناعي.
خاصة أن الإمارات كانت وما زالت أنجح وأكفأ دول العالم في مشروعات الطاقة النظيفة بجانب التعاطي الثنائي على مستوى القضايا السياسية لأزمات الشرق الأوسط في ضوء تزايد الرغبة الألمانية لتعظيم حضورها هذه الأيام في عدد من القضايا وأبرزها ملف أزمة العلاقات الأمريكية الإيرانية حاليا، وتدشين ألمانيا وساطة بين الجانبين، أسوة بالعديد من الوساطات الإقليمية والدولية حاليا، ناهيك عن التعاون الألماني مع الجانب الإماراتي في حلحلة العديد من القضايا الإقليمية الملحة حاليا، والتي تقوم الإمارات بدور بناء وحيوي في توفير سبل الاستحقاقات لحلها، كالأزمة اليمنية والوضع في السودان والأوضاع في ليبيا، حيث الإسهام والحضور الإماراتي بازغ ويحظى بالمصداقية والقبول والرهان على تحريك الحلول السياسية، انتصارا لإرادة الحلول السلمية للقضايا العربية والشرق أوسطية.