الانتخابات الإيرانية لن تكون خياراً للشعب الإيراني الطامح إلى الحرية والخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، بل ستكون خياراً للولي الفقيه الذي يمسك بجميع أوراق اللعبة
قد يستغرب الكثير من المتابعين أن يتقدم (١٦٣٦) مرشحاً للتنافس على رئاسة بلد إسلامي متشدد تحكمه إرادة الولي الفقيه مثل إيران، والأغرب من ذلك أن يختار مجلس صيانة الدستور (٦) مرشحين منهم فقط للدخول في معترك الانتخابات.. ومن مفارقات هذه الانتخابات أن يشطب اسم الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي وصل إلى سدة الحكم بإرادة المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني، بينما يمنع من الترشح الآن بالإرادة ذاتها؟!
في الحقيقة فإن الأمر لا يعدو سوى كونه مخططا لتقديم أوراق متعددة للشعب والمجتمع الدولي لإيهامه أولا بتعدد الخيارات الديمقراطية، وسعي "المرشد" إلى إبعاد المقربين منه سابقاً لفشلهم (كما في حالة أحمدي نجاد) وتقديم مرشحين آخرين يزكيهم "المرشد" ذاته.. وهذا المنهج واضح حتى في السياسة الخارجية الإيرانية، التي سعت منذ عام ٢٠٠٣ حتى الآن إلى خلق جهات دينية سياسية في العراق تزاحم القوى العراقية الدينية الرئيسة التي ولدت وترعرعت في إيران؛ لكي يكون الحاكم والمعارض بذات القدر من الولاء للحاكم الفعلي وهو "الولي الفقيه".
إن المرشحين الذين سمح لهم بالدخول في معترك الانتخابات لا يمكنهم مطلقاً التغيير الحقيقي في الداخل الإيراني ولا في السياسة الخارجية التي يرسمها الولي الفقيه منذ عقود!!
فإيران من الداخل تعاني من مشاكل حقيقية كشف عنها المرشحون للانتخابات الرئاسية في أول مناظرة تلفزيونية حول برامجهم الانتخابية، يضاف إليها المشاكل الخارجية التي تعد المستنزف الأساس لميزانية إيران نتيجة لتمويلها ودعمها للعديد من الأحزاب والجماعات المسلحة في المنطقة.
الانتخابات الإيرانية لن تكون خياراً للشعب الإيراني الطامح إلى الحرية والخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، بل ستكون خياراً للولي الفقيه الذي يمسك بجميع أوراق اللعبة
ومن أبرز ما اعترف به مرشحو الرئاسة الإيرانية، أن عشرين في المئة (حوالي ١٦ مليونا) من الشعب الإيراني يسكنون في العشوائيات التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات العيش الكريم.. بينما هناك أكثر من ثلاثة ملايين مسكن فارغ تملكها طبقة مقربة من الحكام لا تتعدى نسبتها الأربعة في المئة من الشعب الإيراني، وهؤلاء فقط ينعمون بثروات ومناصب ووظائف البلاد الفعلية، كما استحوذت النسبة المذكورة ذاتها على القروض التي منحتها المصارف العام الماضي وبلغت قيمتها (٥٣٠) ألف مليار تومان إيراني! بينما يعاني ما تبقى من الإيرانيين الفقر والحرمان، حيث يعيش عدد كبير منهم بمبلغ أقل من (١٢) دولارا شهرياً.. وهناك أكثر من (١١) مليون شاب بدون سكن ينتظرون الزواج.. كما أن في إيران اليوم أكثر من عشرة ملايين مواطن أمي لا يقرأ ولا يكتب!
وانطلاقا من هذه الأرقام التي اعترف فيها مرشحو الرئاسة أنفسهم، فإن واقع الحال يؤكد أنه لا تغيير جذرياً في السياسة الإيرانية الداخلية التي تعاني من استحواذ الأقلية الموالية على الأكثرية، وأن لعبة تبادل الأدوار بين الأقلية الحاكمة مستمرة، ولا يسمح بدخول أطراف من خارجها لكيلا تتلاعب بالخيوط الخفية وثوابت البلاد التي يرسمها الولي الفقيه وليس رئيس البلاد!!
أما السياسة الخارجية، فتبقى هي الأخرى خارج نطاق سيطرة الرئيس، خاصة وأن إيران تواصل العمل على ديمومة مشروعها في العديد من بلدان المنطقة، في صراع لإثبات وجوها ونفوذها في العديد من الدول، وهو أمر تعتبره يستحق تقديم الخسائر المادية التي استنزفت ثروات البلاد.
شكلياً، سيكون الصراع بين جناحين، أحدهما محسوب كلياً على الولي الفقيه وأبرز المرشحين فيه "ابراهيم رئيسي" (وهو مرشح ليكون خليفة لخامنئي في منصب الولي الفقيه) و "محمد باقر قاليباف"، وجناح يتقدمه الرئيس الحالي حسن روحاني، ينافسه اثنان من مساعديه المقربين!
إن الانتخابات الإيرانية لن تكون خياراً للشعب الإيراني الطامح إلى الحرية والخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، بل ستكون خياراً للولي الفقيه الذي يمسك بجميع أوراق اللعبة، لكنه قرر أن يترك لشعبه الاختيار بين (٦) مرشحين يسيرون على طرق مختلفة لكنها متوازية تنتهي جميعها في "قم" حيث عرين المرشد!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة