التطرف ليس حالة خاصة بالإسلام وحده، فمثلما هناك متطرفون مسلمون هناك أيضاً متطرفون غير مسلمين.
التطرف ليس حالة خاصة بالإسلام وحده، فمثلما هناك متطرفون مسلمون هناك أيضاً متطرفون غير مسلمين.
والدليل على ذلك الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان «فرنسيس» لجمهورية مصر العربية نهاية الأسبوع الماضي، بهدف تعزيز العلاقات مع الأزهر، الذي كان قد أوقف الحوار مع الفاتيكان عام 2011 بسبب ما اعتبرها إهانات وجهها البابا بنديكت السادس عشر للإسلام، ولم يستأنفه إلا العام الماضي، بعد زيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للفاتيكان، وإذابة الجليد الذي كان قد تراكم وأوشك أن يسد طريق الحوار.
الرسائل الإيجابية التي يرسلها العقلاء من أتباع الديانات المختلفة، تقابلها رسائل سلبية يرسلها آخرون يمثلون قمة الجنون والتطرف، هي التي تقود بعض أتباع الديانات إلى العنف، وتدفعهم إلى ارتكاب مجازر في حق غيرهم
فرغم رسائل التسامح التي حاول البابا فرنسيس أن يرسلها من خلال زيارته للقاهرة، إلا أنه واجه انتقادات حادة من قبل المحافظين بالكنيسة، لاجتماعه مع رجال دين مسلمين بعد مقتل 45 شخصاً في التفجيرين اللذين استهدفا كنيستين للأقباط الأرثوذكس بمدينتي طنطا والإسكندرية يوم أحد السعف، وهما الهجومان اللذان تبناهما تنظيم «داعش» الذي يرى المحافظون المسيحيون أنه يمثل «الدولة الإسلامية».
لذلك انتقدوا زيارة البابا لمصر، واعترضوا على إجراء حوار مع المسلمين، بدعوى أن هناك حرباً تشتعل، حيث قال المؤرخ الإيطالي «روبيرتو دي ماتي» إن هجومي أحد السعف يجب أن يكونا ماثلين أمام البابا فرنسيس، وكتب في مجلة «كريستيان رووتس» الشهرية المحافظة، التي يرأس تحريرها، أن المهاجمين «لا هم مختلون ولا مجانين، وإنما أصحاب رؤية دينية تحارب المسيحية منذ القرن السابع الميلادي».
كما هاجمت المدونة الكاثوليكية المتطرفة «نوفيس أوردو ووتش» الفاتيكان بشدة، بسبب شعار الزيارة الذي ظهر فيه الهلال والصليب معاً، وسخرت من البابا، وأطلقت عليه اسم «السيد متعايش».
وقال باحث كاثوليكي بارز يعمل في بيروت، هو الأب سمير خليل المولود في مصر، إن نية البابا سليمة، لكنه لا يدرك مختلف أبعاد الوضع، معتقداً أن عدم إلمام البابا بالإسلام لا يساعد الحوار.
وأضاف: «لطالما قال إننا نعرف أن الإسلام دين سلام، لكن هذا ببساطة خطأ. لا يمكنني أن أقرأ القرآن وأقول إنه كتاب وجهته السلام».
هذه الآراء تُظهِر أن هناك دواعش أيضاً بين أتباع الديانات الأخرى، وأن التطرف ليس حكراً على المسلمين وحدهم، لكن هذه الآراء والمواقف لم تجعل البابا يتراجع عن قراره، بل زادته إصراراً على الزيارة، ووجه رسالة إلى الشعب المصري، قال فيها إنه يأتي إلى القاهرة صديقاً ورسول سلام، وأعرب عن أمله في أن تكون زيارته مساهمة صالحة للحوار بين الأديان مع العالم الإسلامي، وأكد أثناء الزيارة أن مستقبل البشرية قائم على الحوار بين الثقافات.
زيارة البابا فرنسيس لمصر سبقتها رسائل كثيرة بثتها شخصيات إسلامية ومسيحية خلال «مؤتمر الأزهر العالمي للسلام» الذي بدأ قبل الزيارة بيوم واحد، وحضر البابا اليوم الثاني منه.
فقد جاء في كلمة شيخ الأزهر في افتتاح المؤتمر أن السلام هو القاعدة في حياة البشر، وأن كل ما يقال عن الإسلام بشأن السلام يقال أيضاً عن المسيحية واليهودية، وأن الإسلام شجع على ثقافة الحوار، خصوصاً مع الأديان المختلفة، وأنه يكفل حرية الاعتقاد، وأن تشريع الحرب في الإسلام جاء دفاعياً وليس هجومياً، وأن كل الأديان تحث على السلام، وهي بريئة من تهمة الإرهاب.
بينما قال الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، إن تطرف الإرهاب قابله خطاب إقصاء ونمو في الإسلامفوبيا، وإن التطرف له وقائع مؤلمة في عموم الأديان والمذاهب، وخطأ التشخيص والعلاج يقودان لصدام ديني وسياسي وثقافي.
ودعت الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة الدولة للتسامح، شعوب العالم لنبذ الأفكار والمعتقدات الهدّامة التي تحرّض على الكره والتفرقة والتمييز. بينما قال الدكتور علي النعيمي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، إن الأديان وقادتها يتحملون مسؤولية كبيرة في ترسيخ السلام والعمل على تحقيقه للإنسانية جمعاء.
وقال البطريرك برثيلماوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية، إن الأديان يجب أن تكون جسراً للحوار بين البشر، وليس الاختلاف والعنف، وإن الحوارات بين الأديان تجسر الفجوة بين البشر وتقرب بينهم، وإن العنف هو خرق لأصول الدين والإيمان، وليس أداة لها. وقال الأنبا بولا، ممثل البابا تواضروس الثاني، إن علينا جميعاً أن نكون أداة بشرية لنشر سلام الله بين الشعوب، وناشد العالم التوقف عن دعم واستخدام الجماعات المتشددة لأهداف سياسية.
هذه الرسائل الإيجابية التي يرسلها العقلاء من أتباع الديانات المختلفة، تقابلها رسائل سلبية يرسلها آخرون يمثلون قمة الجنون والتطرف، هي التي تقود بعض أتباع الديانات إلى العنف، وتدفعهم إلى ارتكاب مجازر في حق غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، مثلما فعل الدواعش بأتباع الديانة الأيزيدية في العراق، ومثلما يفعلون بأتباع الديانة المسيحية في مصر، بل مثلما يفعلون بالمسلمين الذين يختلفون معهم في الفكر، فيكفِّرونهم ويقتِّلونهم ويشرِّدونهم ويفتكون بهم.
ومثلما تفعل حكومة «مانيمار» البوذية بشعب «الروهينجا» المسلم، الذي يتعرض لعمليات تصفية وإبادة وقتل وتشريد من قبل جيش الحكومة، إلى الدرجة التي وصفتهم معها المتحدثة باسم الأمم المتحدة بأنهم أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم، إذ أنهم يُرفَضون من البلد الذي يقولون إنه وطنهم، ولا ترغب الدول المجاورة في إيوائهم.
هذه الأصوات العاقلة هي الكفيلة بطرد صوت أولئك المجانين والمتطرفين المسكونين بالقتل، وهي التي ستصنع لنا الربيع الحقيقي، لا ذلك الربيع المزيف الذي أوهمتنا جماعات الإسلام السياسي أنه الغيمة التي ستمطر علينا ذهباً، ثم اختطفت الربيع والغيمة والمطر والذهب.
*نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة