العالم لا يحتاج مزيداً من الطموحات والاختراعات المجنونة، ولكنّه يحتاج مزيداً من القيم والأخلاق التي تلاشت في سعار النخبة من أجل الكسب
لا يشعر العالم الشهير ستيفن هوكينغ بتفاؤل كبير حول مستقبل الأرض، وينادي بأن مستقبل البشرية في المدى الطويل سيكون باستعمار الفضاء، لأنه من الصعوبة بمكان تجنّب دمار الأرض القادم. ما لم يقله لنا أنّ ذلك الدمار سيكون بعد امتداد الشمس وابتلاعها لأرضنا بعد قرابة 7.6 مليارات سنة، كما لم يخبرنا كيف سنصل وأقرب نجم لنا هو Proxima Centauri يبعد عنا 4.2 سنوات ضوئية، وحيث إننا حالياً لا نستطيع الطيران بأسرع من 10 في الألف من سرعة الضوء، فمعنى ذلك أننا سنحتاج 55000 سنة عادية للوصول هناك!
ليت الأخ ستيفن أوصله تشاؤمه لتوصية أخرى غير محاولة الجلاء عن الأرض، فالأرض لا تفسد نفسها، ولم يخلقنا الله تعالى بها إلا لأنها مكتملة عناصر الحياة لنا حتى قيام الساعة، فمن يُفسد فيها هم البشر، تصديقاً لقوله سبحانه: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس»، وتحديداً دول النخبة التي تستنزف أغلب موارد «كل» العالم، وتعيث فيه فساداً، ثم نَصَّبَت من نفسها «حامياً» للكوكب، وتقارير منظماتها تخرج قائلةً إنّ موارد الأرض غير كافية لنا جميعاً.
وبالطبع هم يقصدون كل من عداهم، فهم لا يعتبرون الشعوب الفقيرة إلا «فئة أدنى» من البشر، ذات وجوه كالحة وأيدي مغبرّة، تتعارك عند سيارات المساعدات، همّها الأكل وانتظار المعونة فقط، دون أن يكون لها إضافة تستحق في المشهد الحضاري العالمي!
هناك رعب لدى دول النخبة من زيادة سكان الأرض، فيكفي أن نعلم أنّ 14 في المائة من كل عدد البشرية طيلة تاريخها، ما زال حيّاً اليوم، لذا، فهم مهووسون بمواجهة تلك الزيادة بسيناريوهات غريبة ومفجعة، وتفتقد أبسط مبادئ الإنسانية التي يتحدثون عنها، وتنكشف الأوراق المخبأة، لنرى أفاعيلهم في السابق، وما يمكن أن يعيدوه مراراً.
العالم لا يحتاج مزيداً من الطموحات والاختراعات المجنونة، ولكنّه يحتاج مزيداً من القيم والأخلاق التي تلاشت في سعار النخبة من أجل الكسب
فمن وسائلهم لتخفيض سكان الأرض، ترويج الأدوية مسببة العقم التي استخدمت في القارة الإفريقية والفلبين تحديداً، بل تم استخدامها داخل التراب الأمريكي من 1930 حتى 1980 في ولاية كارولاينا الشمالية، قبل أن تعتذر الحكومة الأمريكية عام 2010، إضافة إلى نشر الأوبئة والأمراض مستعصية العلاج «عمداً»، وبطريقة ممنهجة، وهي أوبئة لا نسمع أنها «تنبعث» إلا من المجتمعات الفقيرة فقط، كالإيدز وإنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور وكورونا وإيبولا وغيرها، وأخيراً وليس آخراً، تطوير نوع من البكتيريا التي لا تستجيب للأدوية، وتقتل 700 ألف إنسان سنوياً، وسيصل الرقم إلى 10 ملايين عام 2050!
افتعال الحروب من طرق تخفيض عدد السكان، بالإضافة إلى إثراء المنتفعين من خلال ما يعرف باقتصادات الحرب، الجديد حالياً، هو الحرب على الإرهاب، وهي حرب لا جهة جغرافية ثابتة تتجه لها، ولا نهاية زمنية واضحة تتوقف عندها، لكن ما يؤسف النخبة، أنّ الحرب لم تعد عاملاً فعالاً، فالبروفيسور باري بروك من جامعة Adelaide الأسترالية، يقول إنّ خمسة سيناريوهات تم وضعها لحرب عالمية ثالثة، معتمدة على أرقام الحربين الماضيتين، بالكاد أوجدت خَفضاً في عدد سكان العالم، كما أن نشر وباء قاتل بقدرة تصل لإهلاك 2 مليار إنسان، لَن تُخفِّض الرقم المتوقع عام 2050 إلا إلى 8.4 مليارات، هذه الدراسة نُشرت مُفصلّة في مجلة The National Academy of Science!
وسيلة أخرى تتم من خلال المؤسسة الأمريكية العسكرية المتقدمة DARPA، التي تُطوِّر تقنية شارفت على الاكتمال للتحكم بالطقس، والقدرة على إطلاق الأعاصير المدمرة والعواصف الثلجية التي ستكون أهم أسلحة الترسانة الأمريكية في الحرب الكونية القادمة، وهي تقنية قادرة على إبادة «دولة كاملة». هنا، لا بد أن نتذكر مقولة كليف لويس: «التعليم دون قيم لا يجعل الإنسان إلا شيطاناً ذكياً»!
أمّا أفتك سلاح «سِلمي» لتخفيض سُكّان الأرض، فهو بذلك الشحن الإعلامي وما يواكبه من رفع شعارات الحريّة وحق الإنسان في اختيار طريقة حياته، وبقية الأمور التي يراد بها «تمشية» باطل، أو قضية فاضحة مهلهلة الدعائم تتناقض مع أبسط نواميس الكون، ألا وهي إباحة زواج المثليين، تسويقها لأكبر نطاق معيّن عالمياً، ستؤدي دوراً أقوى بكثير من كل قوانين إباحة الإجهاض وتحديد النسل!
لا أعلم صراحة لماذا هذا الهوس بوضع سيناريوهات لعالَمٍ يقوم جزؤه المتقدِّم بقتل من به بأنانيته وسُعار «هواميره» لكسب المزيد من الأموال، فرُبع العالم يعيشون دون كهرباء، وجمهورية ليبيريا مثلاً لا تستطيع أن تُنتج من الكهرباء إلا ثلث ما يستخدم في ملعب نهائي الرابطة المحترفة الأمريكية، ونصف سكان العالم أو ما يزيد على 3 مليارات إنسان يعيشون على أقل من 2.5 دولار في اليوم، وأكثر من مليار إنسان على أقل من 1.25 دولار في اليوم، وهناك مليار طفل يعيشون في فقر، وحسب تقارير اليونيسيف، فإن 22000 طفل يموتون يومياً جرّاء الجوع، رغم أن 1.3 مليار طن من الطعام يُهدر سنوياً، أغلبه لدى «حُماة الكوكب» المحترمين، وهو ما يمثّل ثلث إنتاج العالم من الطعام!
من تقاريرهم نُدينهم، فالطفل الأمريكي يسبب ضرراً بيئياً للأرض أكثر بـ 13 مرة من الطفل البرازيلي، ويستهلك الأمريكي من الموارد أكثر من الهندي بـ 35 مرة، ورغم أنّهم يمثلون أقل من 5 في المائة من سُكّان العالم، إلا أنهم يستهلكون قرابة 30 في المائة من موارده، ولو استهلك بقية البشر كما يفعل الأمريكان، فإننا بحاجة إلى كوكب أرضٍ آخر، ويتسبّب الأمريكان في 30 في المائة من نفايات العالم، ويلقون سنوياً ما يقارب 31 مليون طن من الأطعمة، و8 ملايين طن من الأثاث، و6 ملايين طن من الملابس التي بإمكانها إطعام فقراء العالم وكسوتهم بالكامل!
العالم لا يحتاج مزيداً من الطموحات والاختراعات المجنونة، ولكنّه يحتاج مزيداً من القيم والأخلاق التي تلاشت في سعار النخبة من أجل الكسب، والعالم لا يحتاج مزيداً من العلم، فقد رأينا أين وصل بالبشر، لكنه يريد بعضاً من الإنسانية، والكوكب لا يحتاج حُماة لا تتجه أصابع الاتهام إلا لهم، ولكن يحتاج أن يقف لهم البقية ليقولوا: كفى!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة